للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الرابعة): قال الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى في "صحيحه": "باب حقُّ الجوار في قرب الأبواب"، ثم أورد فيه حديث عائشة - رضي الله عنها -، قالت: قلت: يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أُهدي؟ قال: "إلى أقربهما منك بابًا".

قال في "الفتح": قوله: "أقربِهما" أي: أشدِّهما قُرْبًا، قيل: الحكمة فيه أن الأقرب يَرَى ما يدخل بيتَ جاره من هدية وغيرها، فيتشوّف لها، بخلاف الأبعد، وأن الأقرب أسرع إجابةً لِمَا يَقَعُ لجاره من المهمات، ولا سيما في أوقات الغفلة.

وقال ابن أبي جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب؛ لأن الهدية في الأصل ليست واجبة، فلا يكون الترتيب فيها واجبًا، ويؤخذ من الحديث أن الأخذ في العمل بما هو أعلى أولى، وفيه تقديم العلم على العمل.

واختُلِفَ في حَدِّ الجوار، فجاء عن عليّ - رضي الله عنه -: "من سَمِعَ النداء فهو جارٌ"، وقيل: من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار، وعن عائشة: حَدُّ الجوار أربعون دارًا من كل جانب، وعن الأوزاعي مثله، وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" مثله عن الحسن، وللطبراني بسند ضعيف، عن كعب بن مالك، مرفوعًا: "ألا إن أربعين دارًا جار"، وأخرج ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب: "أربعون دارًا عن يمينه، وعن يساره، ومن خلفه، ومن بين يديه"، وهذا يحتمل كالأولى، ويحتمل أن يريد التوزيع، فيكون من كل جانب عشرة. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تكلّم الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى على هذا الحديث بكلام حسن طويل، لكنه مشتمل على نفائس العلوم، ودقائق الفهوم، أحببت إيراده في مسائل، وإن كان كثير منه سبق ذكره، إلا أن فيه زوائد سديدة، وعوائد مفيدة.

(المسألة الخامسة): في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر … إلخ"، فإنه يدلّ على أن هذه الخصال من خصال الإيمان، وقد سبق أن


(١) راجع: "الفتح" ١٠/ ٥٤٩ - ٥٥٠.