للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لغاب يَغِيب غَيْبَةً، وغِيَابًا -بالكسر- وغُيُوبًا، ويكون مَحَلَّ الغَيْبَة، وهو المراد هنا؛ أي: إلا أن يقدَم من سفره.

وهذا الذي قالته عائشة -رضي اللَّه عنها- يفيد أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يصلِّ صلاة الضحى إلا عند القدوم من السفر، وقد جاء عنها في ذلك أشياء مختلفة، فقد أخرج الشيخان من طريق عروة، عنها، أنها قالت: "ما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سبّح الضحى، وإني لأسبّحها"، وفي لفظ: "ما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلي سُبحة الضحى قطّ، وإني لأسبّحها، وإن كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليَدَع العمل، وهو يُحبّ أن يعمل به، خشيةَ أن يعمل به الناس، فيُفرَضَ عليهم" (١).

ويأتي للمصنّف من طريق معاذة العدوية، أنها سألت عائشة -رضي اللَّه عنها-: كم كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي الضحى؟، قالت: "أربعًا، ويزيد ما شاء"، وفي رواية: "ويزيد ما شاء اللَّه".

ففي الأول نفي صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاةَ الضحى مُقيّدًا بغير المجيء من مغيبه، وفي الثاني نفي رؤيتها لذلك مطلقًا، وفي الثالث إثباتها مطلقًا.

قال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: خَفِي على عائشة -رضي اللَّه عنها- صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة الضحى في غير اليوم الذي كان يَقْدَم فيه من مغيبه، كما خَفِي على أُسامة -رضي اللَّه عنه- صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الكعبة. انتهى (٢).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرحه" ما حاصله: الجمع بين حديثي عائشة -رضي اللَّه عنها- في نفي صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- الضحى، وإثباتها، أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصليها في بعض الأوقات؛ لفضلها، ويتركها في بعضها خشيةَ أن تُفْرَض، كما ذكرته عائشة -رضي اللَّه عنها-، ويُتَأَوَّل قولها: "ما كان يصليها إلا أن يجيء من مغيبه"، على أن معناه: ما رأيته؛ كما قالت في روايتها الأخرى: "ما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى".

وسببه أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما كان يكون عند عائشة -رضي اللَّه عنها- في وقت الضحى إلا في وقت نادر من الأوقات، فإنه قد يكون في ذلك مسافرًا، وقد يكون حاضرًا،


(١) متّفقٌ عليه، واللفظ الأول للبخاريّ، والثاني لمسلم.
(٢) "الأوسط" ٥/ ٢٣٨.