أم المؤمنين عائشة، فأتها فاسألها، ثم ارجع إليّ، فحدّثني بما تحدثك، فأتيت حكيم بن أفلح، فقلت له: انطلق معي إلى أم المؤمنين عائشة، قال: إني لا اَتيها، إني نهيت عن هذه الشيعتين، فأبت إلا مُضِيًّا، قلت: أقسمت عليك لَمّا انطلقتَ، فانطلقنا، فسلّمنا، فعرفت صوت حكيم، فقالت: من هذا؟ قلت: سعد بن هشام، قالت: من هشام؟ قلت: هشام بن عامر، قالت: نعم المرءُ، قُتِل يوم أحد، قلت: أخبرينا عن خلق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإنه خلق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأردت أن أقوم، ولا أسأل أحدًا عن شيء حتى ألحق باللَّه، فعَرَضَ لي القيام، فقلت: أخبرينا عن قيام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قالت: ألست تقرأ {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١)}؟ قلت: بلى، قالت: فإنها كانت قيام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنزل أول السورة، فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه حتى انتفخت أقدامهم، وحُبِس آخرها في السماء ستة عشر شهرًا، ثم أُنزل، فصار قيام الليل تطوُّعًا بعد أن كان فريضةً. فأردت أن أقوم، ولا أسأل أحدًا عن شيء حتى ألحق باللَّه، فعَرَض لي الوتر، فقلت: أخبرينا عن وتر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا نام وضع سواكه عندي، فيبعثه اللَّه لما شاء أن يبعثه، فيصلي تسع ركعات، لا يجلس إلا في الثامنة، فيحمد اللَّه، ويدعو ربه، ثم يقوم، ولا يسلم، ثم يجلس في التاسعة، فيحمد اللَّه، ويدعو ربه، ويسلم تسليمةً يُسمعنا، ثم يصلي ركعتين، وهو جالس، فتلك إحدى عشرة ركعةً يا بُنَيّ، فلما أسنّ رسول اللَّه، وحَمَلَ اللحم، صلى سبع ركعات، لا يجلس إلا في السادسة، فيحمد اللَّه، ويدعو ربه، ثم يقوم، ولا يسلم، ثم يجلس في السابعة، فيحمد اللَّه، ويدعو ربه، ثم يسلم تسليمةً، ثم يصلي ركعتين، وهو جالس، فتلك تسع يا بُنَيّ، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا غلبه نوم، أو مرضٌ، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعةً، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أخذ خُلُقًا أحب أن يداوم عليه، وما قام نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلةً حتى يصبح، ولا قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صام شهرًا كاملًا غير رمضان، فأتيت ابن عباس، فحدّثته، فقال: صدقتك، أما إني لو كنت أدخل عليها لشافهتها مشافهةً، قال: فقلت: أما إني لو شَعَرْتُ أنك لا تدخل عليها ما حدثتك. انتهى، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.