قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن مما سبق أن "أمر سوء" هنا بالإضافة، فلا يكون "سوء" صفة لـ "أمر"، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
(قَالَ) أبو وائل (قِيلَ) وفي نسخة: "قلتُ"، وفي رواية البخاريّ:"قلنا"(وَمَا هَمَمْتَ بهِ؟) أي: أيّ شيء أردت أن تفعله معه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ (قَالَ) ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- (هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ) أي: أترك الصلاة معه، قال في "الفتح": وفي الحديث دليلٌ على اختيار النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تطويل صلاة الليل، وقد كان ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قويًّا محافظًا على الاقتداء بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما هَمَّ بالقعود إلا بعد طولٍ كثيرٍ، ما اعتاده، وأخرج مسلم من حديث جابر -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا:"أفضل الصلاة طول القنوت"، فاستدلّ به على ذلك، ويَحْتَمِلُ أن يراد بالقنوت في حديث جابر -رضي اللَّه عنه- الخشوع.
وذَهَب كثير من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وغيرهم إلى أن كثرة الركوع والسجود أفضل، وقد أخرج مسلم من حديث ثوبان -رضي اللَّه عنه- أنه سأل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أحبّ الأعمال إلى اللَّه، فقال:"عليك بكثرة السجود للَّه. . . " الحديث.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: الذي يظهر لي -كما استظهره الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فمن كان قويًّا على تطويل القيام والركوع والسجود، كما هو أكثر فعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهو الأفضل في حقّه، ومن لا يستطيع ذلك، وكان كثرة الركوع والسجود أخفّ عليه، فهو الأفضل في حقّه، فبهذا يُجمع بين حديثي جابر، وثوبان -رضي اللَّه عنهما-، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان استحباب تطويل صلاة الليل.
٢ - (ومنها): بيان جواز الاقتداء في غير المكتوبات.
٣ - (ومنها): أنه ينبغي الأدب مع الأئمة والكبار، وأن لا يخالفوا بفعل، ولا قول، ما لم يكن حرامًا، واتَّفَقَ العلماء على أنه إذا شَقَّ على المقتدي في فريضة أو نافلة القيام، وعَجَزَ عنه جاز له القعود، وإنما لم يقعد ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-؛ للتأدب مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قاله النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
٤ - (ومنها): أن مخالفة الإمام في أفعاله معدودة في العمل السيِّئ.