للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فحجب سمعه عن الذكر، وقيل: هو كناية عن ازدراء الشيطان به، وقيل: معناه: أن الشيطان استولى عليه، واستخفّ به، حتى اتخذه كالكنيف المعدّ للبول، إذ من عادة المستخفّ بالشيء أن يبول عليه، وقيل: هو مثل مضروب للغافل عن القيام بثقل النوم، كمن وقع البول في أذنه، فثقّل أذنه، وأفسد حسّه، والعرب تَكني عن الفساد بالبول، قال الراجز:

بَالَ سُهَيْلٌ فِي الْفَضِيخِ فَفَسَدْ

وكنى بذلك عن طلوعه؛ لأنه وقت إفساد الفضيخ، فعبّر عنه بالبول.

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: عندي القول الأول هو الصواب، فبول الشيطان في أذن هذا النائم على حقيقته؛ إذ لا مانع من ذلك، كما تقدم عن القرطبي وغيره، فلا داعي لصرف ظاهر النصّ إلى هذه التأويلات التي ذكروها؛ إذ هي تكلفٌ، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

ووقع في رواية الحسن عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- في هذا الحديث عند أحمد: "قال الحسن: إن بوله واللَّه لثقيل"، ورَوى محمد بن نصر من طريق قيس بن أبي حازم، عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "حسبُ الرجل من الخيبة والشرّ أن ينام حتى يصبح، وقد بال الشيطان في أذنه"، وهو موقوف صحيح الإسناد قاله في "الفتح" (١).

وقال الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: خصّ الأذن بالذكر، وإن كانت العين أنسب بالنوم إشارةً إلى ثقل النوم، فإن المسامع هي موارد الانتباه، وخصّ البول لأنه أسهل مدخلًا في التجاويف، وأسرع نفوذًا في العروق، فيورث الكسل في جميع الأعضاء. انتهى (٢)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- هذا مُتَّفَقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في تخريجه:


(١) "الفتح" ٣/ ٣٥.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٤/ ١٢٠٢.