للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الحدود هي محارم اللَّه عزَّ وجلَّ وعقوباته التي قَرَنها بالذنوب، وأصل الحدّ: المنع والفصل بين الشيئين، فكأن حدود الشرع فَصَلَت بين الحلال والحرام، فمنها ما لا يُقرب، كالفواحش المحرّمة، ومنه قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: ١٨٧]، ومنها ما لا يُتعدّى، كالمواريث المعيَّنة، وتزويج الأربع. انتهى (١).

زاد أبو عوانة في روايته ما نصّه: "قال الأعمش: كانوا أمراء حيث كانوا". انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: كلام الأعمش -رَحِمَهُ اللَّهُ- هذا يدلّ على أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- مفوّضٌ إليهم من قِبَل الإمام إقامة الحدّ حيثما كانوا، ولذا أقام ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- الحدّ على هذا الرجل، واللَّه تعالى أعلم.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الحدّ محمول على أن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- كانت له ولاية إقامة الحدود؛ نيابةً عن الإمام، إما عمومًا، وإما خصوصًا، وعلى أن الرجل اعتَرَفَ بشربها بلا عذر، وإلا فلا يجب الحد بمجرد ريحها، وعلى أن التكذيب كان بإنكار بعضه جاهلًا؛ إذ لو كَذّب به حقيقةً لكفر، فقد أجمعوا على أن مَن جَحَد حرفًا مجمعًا عليه من القرآن كَفَرَ. انتهى.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والاحتمال الأول جَيِّدٌ، ويَحْتَمِل أيضًا أن يكون قوله: "فضربه الحدّ"؛ أي: رفعه إلى الأمير، فضربه فأسند الضرب إلى نفسه مجازًا؛ لكونه كان سببًا فيه.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الاحتمال الأول هو الأقرب، يؤيّده ما تقدّم عن الأعمش، فتأمّل، واللَّه تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنما أقام عليه الحدّ؛ لأنه جَعَل له ذلك مَن له الولاية، أو لأنه رأى أنه قام عن الإمام بواجب، أو لأنه كان ذلك في زمان ولايته الكوفة، فإنه وَلِيَها في زمن عمر، وصدرًا من خلافة عثمان -رضي اللَّه عنهما-. انتهى.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والاحتمال الثاني مُوَجَّه، وفي الأخير غفلةٌ عما في


(١) "النهاية" ١/ ٣٥٢.
(٢) "مسند أبي عوانة" ٢/ ٤٦٢.