للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبي: إنما عَجِبوا من ذلك؛ لأن ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا يُعرَف إلَّا من جهته، وليس هذا السائل ممن عُرف بلقاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا بالسماع منه، ثم هو يسأل سؤال عارف، محقّق مصدّق؛ فتعجبوا من ذلك، تعجب المستبعد لأن يكون أحد يعرف تلك الأمور المسئول عنها من غير جهة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (١).

[فإن قلت]: قدّم في هذه الرواية السؤال والجواب عن الإسلام، على السؤال والجواب عن الإيمان، وإن كان هو مقدّمًا في الاعتبار، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: ٢٧٧] إذ عليه يؤسّس قاعدة الإسلام.

[أجيب]: بأن المقام يقتضي تقديم الإسلام؛ لأنه رأس الأمر، وعموده، وبه تظهر شعائر الدين، وهو دليل على التصديق، وأَمَارة عليه، وما جاء جبريل - عَلَيْهِ السَّلَام - إلَّا ليُعلّم الناس الشريعة، فينبغي أن يبدأ بما هو الأهمّ، فالأهمّ، ويترقّى من الأدنى إلى الأعلى، فإن الإسلام مقدّم على الإيمان، وهو على الإخلاص الذي هو معنى الإحسان (٢). والله تعالى أعلم.

(قَالَ) الرجل (فَأَخْبِرْنِي عَنِ الايمَانِ) قال الطيبيّ: الإيمان: إفعالٌ من الأمن، وهو طمأنينة النفس عن إزالة خوف وشكّ، يقال: آمنه: إذا صدّقه، وحقيقته آمنه التكذيب والمخالفة. انتهى (٣).

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ) الإيمان بالله: هو التصديق بوجوده، وأنه لا يجوز عليه العدم، وأنه تعالى موصوفٌ بصفات الجلال والكمال، من العلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، والحياة، والرضا، والمحبّة، وغيرها، وأنه منزّه عن صفات النقص التي هي أضداد تلك الصفات، وعن صفات الأجسام، والمتحيّزات، وأنه واحد، صمد، فردٌ، خالق جميع المخلوقات، متصرّف فيها بما يشاء من التصرّفات، يفعل في ملكه ما يريد، ويحكم في خلقه ما يشاء.


(١) "المفهم" ١/ ١٥١.
(٢) راجع: "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٤٢٥.
(٣) "الكاشف" ٢/ ٤٢٤.