للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ربيعة ومُضر، فقال: ولا تبرح ظلمة مضر كلّ عبد مؤمن تفتنه، أو تقتله (١).

قال الطحاويّ: المراد بمضر هنا بعضهم، كما بيّنه حذيفة، والعرب تقول مثل هذا في الأشياء الواسعة، تُضيف ما كان من بعضها إلى جملتها، كما قال الله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} [الأنعام: ٦٦]، ولم يُرد الجميع، وكذلك يُحمل على هذا ما ورد في الحديث المتقدّم، والأحاديث يُصدّق بعضها بعضًا على ما رجحناه من التأويل. انتهى كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى (٢).

وقال في "الفتح": وأما قوله: "قرن الشمس": فقال الداوديّ: للشمس قرن حقيقةً، وبحتمل أن يريد بالقرن قُوّةَ الشيطان، وما يستعين به على الإضلال، وهذا أَوْجَه، وقيل: إن الشيطانَ يَقْرُن رأسه بالشمس عند طلوعها؛ ليقع سجود عَبَدَتها له، قيل: ويحتمل أن يكون للشمس شيطانٌ تَطْلُع الشمس بين قرنيه.

وقال الخطابيّ: القرن الأمة من الناس، يَحْدُثون بعد فناء آخرين، وقَرْنُ الحية يضرب به المثل فيما لا يُحْمَد من الأمور، وقال غيره: كان أهل المشرق يومئذ أهلَ كفر، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الفتنة تكون من تلك الناحية، فكان كما أَخْبَر، وأولُ الفتن كان من قِبَل المشرق، فكان ذلك سببًا للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يُحِبُّه الشيطان، ويفرح به، وكذلك الْبِدَع نشأت من تلك الجهة.

وقال الخطابيّ: نَجْد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مَشْرِق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور، فإنه ما انخفض منها، وتهَامةُ كلّها من الغَوْر، ومكة من تهامة. انتهى.

وعُرِفَ بهذا وَهَاءُ ما قاله الداوديّ: إن نجدًا من ناحية العراق، فإنه تَوَهَّم أن نجدًا موضع مخصوص، وليس كذلك، بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما


(١) أخرجه الحاكم في "المستدرك" ٤/ ٤٧٠، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يُخرجاه، ووافقه الذهبيّ.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٣١٢ - ٣١٧.