للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المعوّذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما"، أخرجه الترمذيّ، والنسائيّ، وابن ماجه، وقال الترمذيّ: حسن صحيح.

وقال الطيبيُّ: قوله: "لم يُرَ مثلهنّ" أي لم تكن آيات سورة كلّهنّ تعويذات للقارئ من شرّ الأشرار غير هاتين السورتين.

ولذلك كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتعوّذ من عين الجانّ، وعين الإنس، فلما نزلت المعوّذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما، ولَمّا سُحِر استشفى بهما، وإنما كان كذلك؛ لأنهما من الجوامع في هذا الباب، فتأمّل في أولاهما كيف خصّ وصف المستعاذ به بربّ الفلق، أي بفالق الإصباح؛ لأن هذا الوقت وقت فَيَضَان الأنوار، ونزول الخيرات والبركات، وخصّ المستعاذ منه بما خلق، فابتدأ بالعامّ من قوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢)}، أي من شرّ خلقه، وشرّ ما يفعله المكلّفون من المعاصي، ومضارّة بعضهم بعضًا، من ظلم وبغي، وقتل، وضرب، وشتم، وغيره، وما يفعله غير المكلّفين من الحيوان، كالسباع والحشرات، من الأكل، والنَّهْش، واللَّدْغِ، والعضّ، وما وضعه اللَّه تعالى في غير الحيوان، من أنواع الضرر، كالإحراق في النار، والقتل في السمّ.

ثم ثنّى بالعطف عليه ما هو شرّه أخفى من الزمان، ما هو نقيض انفلاق الصبح، من دخول الظلام، واعتكاره المعنِيّ بقوله: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}؛ لأن انبثاث الشرّ فيه أكثر، والتحرّز منه أصعب، ومنه قولهم: "الليل أخفى للويل"، وخصّ ما يمكن في الزمان بما غائلته خفيّة من النفّاثات والحاسد.

قال الطيبيّ: وقد خصّ شرّ هؤلاء من كل شرّ؛ لخفاء أمره، وأنه يَلْحَق الإنسان من حيث لا يعلم، كأنما يغتال به، وقيّد الحاسد بـ {إِذَا حَسَدَ}؛ لأن الحاسد إذا أظهر حسده، وعَمِلَ بمقتضاه من بَغْي الغوائل للمحسود كان شرّه أتمّ، وضرّه أكمل.

ثم تأمّل في ثانيتهما كيف وصف المستعاذ به بالربّ، ثم بالملك، ثم بالإله، وأضافها إلى الناس، وكرّره، وخصّ المستعاذ منه بالوسواس الْمَعْنِيّ به الموسوس من الجنة والناس.

قال: هذه المبالغة في جانب المستعاذ به، والترقّي في الصفات يقتضي