وقال في "النهاية": يقال: احتوش القومُ على فلان: إذا جعلوه وَسْطَهُم، وتحوَّشُوا عنه: إذا تنحَّوْا. انتهى (١).
والمعنى المناسب هنا هو الانقباض، يعني: أن القوم منقبضون عنه، وذلك أنهم يريدونه أن يتابعهم على هذه القراءة، فلا يوافقهم، فهم يعتزلونه، ويبتعدون، وينقبضون عن مجالسته، ومتابعته، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله:(وَهَيْئَتَهُمْ) بالنصب عطفًا على "تحوّشَ القوم"؛ أي: ورأيت حالهم معه من المجانبة له.
وقوله:(أَتَحْفَظُ كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ؟) يعني: عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-.
وقوله:(فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ) فاعل "ذَكَرَ" ضمير مغيرة، أي: ذكر مغيرة الحديث عن إبراهيم، بمثل ما ذكره الأعمش عنه.
[تنبيه]: رواية مغيرة، عن إبراهيم هذه ساقها الإمام البخاريُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه"، فقال:
(٣٧٤٢) حدّثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا إسرائيل، عن المغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قَدِمُت الشأم، فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسِّر لي جليسًا صالحًا، فأتيت قومًا، فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء، فقلت: إني دعوت اللَّه أن ييسر لي جليسًا صالحًا، فيسّرك لي، قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: أوَليس عندكم ابن أم عبد، صاحب النعلين والْوِسَاد والْمِطْهَرة، وفيكم الذي أجاره اللَّه من الشيطان؟؛ يعني: على لسان نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أوَليس فيكم صاحب سر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- "الذي لا يعلمه أحد غيره؟ ثم قال: كيف يقرأ عبد اللَّه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١)}؟، فقرأت عليه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (٢)}، "والذكر والأنثى"، قال: واللَّه لقد أقرأنيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من فِيه إلى فِيَّ.
وفي رواية: قال: ما زال بي هؤلاء حتى كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.