الناسَ، على ذلك، فقال عن زيد بن خالد: إن عمر رآه، وهو خليفة، ركع بعد العصر، فضربه، فذكر الحديث، وفيه: فقال عمر: يا زيدُ لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سُلَّمًا إلى الصلاة حتى اللمل، لَمْ أضرب فيهما، فلعل عمر كان يرى أن النهي عن الصلاة بعد العصر، إنما هو خشية إيقاع الصلاة عند غروب الشمس، وهذا يوافق قول ابن عمر الماضي، وما نقلناه عن ابن المنذر وغيره.
وقد رَوَى يحيى بن بكير، عن الليث، عن أبي الأسود، عن عروة، عن تميم الداريّ، نحو رواية زيد بن خالد، وجوابِ عمر له، وفيه: ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلّون ما بين العصر إلى المغرب، حتى يمروا بالساعة التي نَهَى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُصَلَّى فيها، وهذا أيضًا يدل لما قلناه واللَّه أعلم. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: بهذا يتبيّن أن ضرب عمر -رضي اللَّه عنه- الناس على الصلاة بعد العصر كان لخوف أن يستمرّوا حتى يأتي وقت النهي، وهو غروب الشمس، فعلى هذا يكون مذهبه أن وقت النهي غروب الشمس، لا بعد العصر، وإنما يضرب عليه، خوفًا من الاستمرار إلى وقت النهي، وقد سبق أن هذا مذهب بعض أهل العلم، فراجع ما سبق، واللَّه تعالى وليّ التوفيق.
[فائدة]: فَهِمَت عائشة -رضي اللَّه عنها- من مواظبته -صلى اللَّه عليه وسلم- على الركعتين بعد العصر، أن نهيه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس مُختصّ بمن قصد الصلاة عند غروب الشمس، لا إطلاقه، فلهذا قالت ما تقدم نقله عنها، وكانت تتنفل بعد العصر، وقد أخرجه البخاريّ في الحجِّ، من طريق عبد العزيز بن رُفيع، قال: رأيت ابن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر، ويخبر أن عائشة -رضي اللَّه عنها- حدّثته أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يدخل بيتها إلَّا صلاهما، وكأنّ ابن الزبير فَهِمَ من ذلك ما فهمته خالته عائشة -رضي اللَّه عنها-، واللَّه أعلم.
وقد رَوَى النسائيّ أن معاوية سأل ابن الزبير عن ذلك، فرَدَّ الحديث إلى أم سلمة -رضي اللَّه عنها-، فذكرت أم سلمة قصة الركعتين حيث شُغِل عنهما، فرجع الأمر إلى ما تقدم، ذكر هذا كلّه في "الفتح"(١)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.