ومحمدُ بنُ عبد الرحيم صاعقةُ عند ابن خُزيمة، وعبدُ العزيز بن سلام عند الإسماعيليّ، وإسماعيلُ القاضي عند ابن منده في "غرائب شعبة"، كلهم عن عليّ ابن المدينيّ، ووافق عليَّ ابنَ المدينيّ على ترك ذكره أيضًا إبراهيمُ بنُ محمد بن عَرْعَرَة، عن حرميّ بن عُمَارة، عند أبي بكر المرّوذيّ في "كتاب الجمعة" له.
قال: ولم أقف عليه من حديث شعبة إلا من طريق حرميّ، وأشار ابن منده إلى أنه تفرّد به. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في فوائده:
١ - (منها): بيان تأكّد الغسل للجمعة، وقد صرّح بلفظ الواجب في رواية البخاريّ هنا، ولفظه:"الغسل يوم الجمعة واجب على كلّ محتلم"، وقد تقدّم أن الراجح حمل الوجوب على تأكُّد الاستحباب؛ جمعًا بين الأدلة، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
وقال الخطابيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ذهب مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- إلى إيجاب الغسل، وأكثر الفقهاء إلى أنه غير واجب، وتأولوا الحديث على معنى الترغيب فيه، والتوكيد لأمره، حتى يكون كالواجب على معنى التشبيه، واستدلوا فيه بأنه قد عُطِف عليه الاستنان والطيب، ولم يختلفوا أنهما غير واجبين، قالوا: وكذلك المعطوف عليه، وقال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الحديث ظاهر في أن الغسل مشروع للبالغ، سواء أراد الجمعة أو لا، وحديث:"إذا جاء أحدكم" في أنه من أرادها، سواء البالغ والصبي، فيقال في الجمع بينهما: إنه مستحبّ للكل، ومتأكد في حق المريد، وآكد في حق البالغ ونحوه، ومذهبنا المشهور أنه مستحب لكل مريد أتى، وفي وجه للذكور خاصّة، وفي وجه من تلزمه الجمعة، وفي وجه لكل أحد.
وفي "المصنف": وكان ابن عمر يُجَمِّر ثيابه كل جمعة، وقال معاوية بن قرة: أدركت ثلاثين من مزينة كانوا يفعلون ذلك، وحكاه مجاهد، عن ابن عباس، وعن أبي سعيد، وابن مغفل، وابن عمر، ومجاهد نحوه، وخالف ابن حزم لَمّا ذكر فرضية الغسل على الرجال والنساء قال: وكذلك الطيب