للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فدلّ مجموع هذه الأحاديث على أن المراد بالرواح الذهاب.

وقيل: النكتة في التعبير بالرواح الإشارة إلى أن الفعل المقصود إنما يكون بعد الزوال، فيسمى الذاهب إلى الجمعة رائحًا، وإن لم يجئ وقت الرواح، كما سمي القاصد إلى مكة حاجًّا.

وقد اشتدّ إنكار أحمد وابن حبيب من المالكية ما نُقِل عن مالك، من كراهية التبكير إلى الجمعة، وقال أحمد: هذا خلاف حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

واحتَجَّ بعض المالكية أيضًا بقوله في رواية الزهريّ: "مَثَلُ المهجِّر"؛ لأنه مشتق من التهجير، وهو السير في وقت الهاجرة.

وأجيب بأن المراد بالتهجير هنا التبكير، كما تقدم نقله عن الخليل في المواقيت.

وقال ابن الْمُنَيِّر في "الحاشية": يَحْتَمِل أن يكون مشتقًّا من الْهِجِّير بالكسر، وتشديد الجيم، وهو ملازمة ذكر الشيء، وقيل: هو من هجر المنزل، وهو ضعيف؛ لأن مصدره الْهَجر، لا التهجير.

وقال القرطبيّ: الحقّ أن التهجير هنا من الهاجرة، وهو السير وقت الحرّ، وهو صالح لما قبل الزوال وبعده، فلا حجة فيه لمالك (١).

وقال التوربشتيّ: جَعَلَ الوقت الذي يرتفع فيه النهار ويأخذ الحرّ في الازدياد من الهاجرة تغليبًا، بخلاف ما بعد زوال الشمس، فإن الحرّ يأخذ في الانحطاط.

ومما يدلّ على استعمالهم التهجير في أول النهار ما أنشد ابن الأعرابيّ في "نوادره" لبعض العرب:

تُهَجِّرُونَ تَهْجِيرَ الْفَجْر

واحتجُّوا أيضًا بأن الساعة لو لم تَطُل للزم تساوي الآتين فيها، والأدلة تقتضي رجحان السابق، بخلاف ما إذا قلنا: إنها لحظة لطيفة.


(١) ليس في كلام القرطبيّ قوله: "فلا حجة لمالك"، بل ظاهر سياقه الاحتجاج لمالك، فانظر: "المفهم" ٢/ ٤٨٥ - ٤٨٦.