للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا اللَّه عنه: تقدّم البحث في هذا قريبًا مستوفًى مع ترجيح ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لقوّة حجّته، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.

وقوله: (فَقَدْ لَغِيتَ، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: هِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ. . . إلخ) قال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال أهل اللغة: يقال: لغا يلغو، كغزا يغزو، ويقال: لَغِيَ يَلْغَى، كعَمِيَ يَعْمَي، لغتان، الأولى أفصح، وظاهر القرآن يقتضي هذه الثانية التي هي لغة أبي هريرة، قال اللَّه تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: ٢٦]، وهذا من لَغِيَ يَلْغَى، ولو كان من الأول لقال: والْغُوا بضم الغين، قال ابن السِّكِّيت وغيره: مصدر الأول: اللَّغْوُ، ومصدر الثاني: اللَّغْيُ.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قوله: "الأُولى أفصح" فيه نظر لا يخفى، كيف يكون أفصح من الثانية التي وقعت في القرآن الكريم؟ هذا غير مقبول، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

قال: ومعنى "فقد لغوت": أي: قلت اللغو، وهو الكلام الْمُلْغَى الساقط الباطل المردود، وقيل: معناه: قلت غير الصواب، وقيل: تكلمت بما لا ينبغي.

ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، ونبَّه بهذا على ما سواه؛ لأنه إذا قال: أنصت وهو في الأصل أمر بمعروف، وسماه لَغْوًا، فغيره من الكلام أولى، وإنما طريقه إذا أراد نَهْيَ غيره عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت إن فَهِمَه، فإن تعذر فهمه فلْيَنْهَهُ بكلام مختصر، ولا يزيد على أقل ممكن.

واختَلَف العلماء في الكلام، هل هو حرام، أو مكروه كراهةَ تنزيه؟ وهما قولان للشافعيّ، قال القاضي: قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعيّ، وعامة العلماء: يجب الإنصات للخطبة، وحُكِي عن النخعيّ، والشعبيّ، وبعض السلف أنه لا يجب إلا إذا تَلا فيها القرآن، قال: واختلفوا إذا لم يسمع الإمام، هل يلزمه الإنصات كما لو سمعه؟، فقال الجمهور: يلزمه، وقال النخعيّ، وأحمد، وأحد قولي الشافعيّ: لا يلزمه. انتهى كلام النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)،


(١) "شرح النووي" ٦/ ١٣٨.