للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال أحمد بن حنبل، عن حماد بن خالد: قلت لمخرمة: سمعت من أبيك شيئًا؟ قال: لا. هذا كلام الدارقطني -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا الذي استدركه بناه على القاعدة المعروفة له، ولأكثر المحدثين أنه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع، أو إرسال واتّصال حكموا بالوقف والإرسال، وهي قاعدة ضعيفة ممنوعة، والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء، والبخاريّ ومسلم، ومحققي المحدثين، أنه يُحْكَم بالرفع والاتّصال؛ لأنها زيادةُ ثقةٍ، وقد سبق بيان هذه المسألة واضحًا في الفصول السابقة في مقدمة الكتاب، وسبق التنبيه على مثل هذا في مواضع أُخَرَ بعدها، وقد رَوَينا في "سنن البيهقيّ" عن أحمد بن سَلَمة، قال: ذاكرت مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- حديث مخرمة هذا، فقال مسلم: هو أجود حديث، وأصحّه في بيان ساعة الجمعة. انتهى كلام النوويُّ (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي ادّعاه النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- من أن ما ذهب إليه الدارقطنيّ مذهب ضعيف، وأن مذهب المحقّقين، ومنهم البخاريّ ومسلم دائمًا تقديم الرفع والاتّصال هو الضعيف، فليس كما زعمه، كما أوضحناه غير مرّة، بل مذهب المحقّقين، ومنهم الشيخان أنهم ينظرون في القرائن المحتفّة، فإن اقتضت تقديم الرفع والاتّصال على الوقف والإرسال سلكوه، وإن اقتضت العكس عملوا به، فتنبّه لهذا الأمر المهمّ.

والحاصل أن انتقاد الدارقطنيّ لهذا الإسناد قويّ؛ لقوّة حجّته، فالحديث مقطوع من قول أبي بردة، وليس مرفوعًا، وإنما رفعه مخرمة، وفيه علّتان: الانقطاع والاضطراب، وقد أجاد الحافظ في "الفتح" البحث فيه فقال ما حاصله: حديث أبي موسى -رضي اللَّه عنه- هذا أُعِلّ بالانقطاع والاضطراب، أما الانقطاع فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه، قاله أحمد، عن حماد بن خالد، عن مخرمة نفسه، وكذا قال سعيد بن أبي مريم، عن موسى بن سلمة، عن مخرمة، وزاد: إنما هي كُتُب كانت عندنا، وقال عليّ ابن المدينيّ: لم أسمع أحدًا من أهل المدينة يقول عن مخرمة: إنه قال في شيء من حديثه: سمعت أبي.


(١) "شرح النوويّ" ٦/ ١٤١.