للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال أيضًا: فمن ندب إلى شيء يُتقرّب به إلى الله، أو أوجبه بقوله، أو فعله من غير أن يشرعه الله، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله) (١).

وقال أيضًا: السنّة هي ما قام الدليل الشرعيّ عليه بأنه طاعة لله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، سواء فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو فُعل في زمانه، أو لم يفعله، ولم يُفعل في زمانه؛ لعدم المقتضي حينئذ لفعله، أو وجود المانع منه.

فإذا ثبت أنه أمر به، أو استحبّه فهو سنّة، كما أمر بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وكما جمع الصحابةُ القرآن في المصحف، وكما داوموا على قيام رمضان في المسجد جماعةً، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه"، فشرَع كتابة القرآن، وأما كتابة الحديث فنهى عنه أولًا، وذلك منسوخٌ عند جمهور العلماء بإذنه لعبد الله بن عمرو أن يكتب عنه ما سمعه في الغضب والرضا، وبإذنه لأبي شاهٍ أن تكتب له خطبته عام الفتح، وبما كتبه لعمرو بن حزم من الكتاب الكبير الذي كتبه له لَمّا استعمله على نجران، وبغير ذلك.

والمقصود هنا أن كتابة القرآن مشروعةٌ؛ لكن لم يجمعه في مصحف واحد؛ لأن نزوله لم يكن تمّ، وكانت الآية قد تُنسخ بعد نزولها، فلوجود الزيادة والنقص لم يمكن جمعه في مصحف واحد حتى مات -صلى الله عليه وسلم-، وكذا قيام رمضان، قد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة"، وقام في أول الشهر بهم ليلتين، وقام في آخر الشهر ليالي، وكان الناس يُصلّون على عهده -صلى الله عليه وسلم- في المسجد فرادى وجماعات، لكن لم يُداوم بهم على الجماعة؛ خشية أن تُفرض عليهم، وقد أُمن ذلك بموته. وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه أهل السنن، وصححه الترمذيّ وغيره: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كلّ بدعة ضلالة"، فما سنّه الخلفاء الراشدون ليس بدعةً شرعيّةً يُنهى عنها، وإن كان يُسمّى في اللغة بدعة؛ لكونه ابتُدئ، كما قال عمر -رضي الله عنه-: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل. انتهى) (٢).


(١) "المصدر السابق" ٣/ ١٩٥.
(٢) "مجموع الفتاوى" ٢١/ ٣١٧ - ٣١٩.