للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمحا الله شمس الليل فهو المحو الذي في القمر، وأخرج البيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر عن سعيد البصري ان عبد الله بن سلام سأل النبي صلّى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر فقال كان شمسين وقال قال الله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) فالسواد الذي رأيت هو المحو هذا وأنت عليم انه متى دل أثر صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يدعى أن غيره أولى، ثم بين الله تعالى سببا ظاهريا بالنّسبة لما يدخل في عقول الذين لم يتطرقوا الى الأسباب الأخرى التي هي من العلم الذي علمه الله تعالى لرسوله ولم يأمره بتبليغه كما مر في المعجزة الثامنة والخمسين قال تعالى «لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ» فيه من طلب المعاش وغيره، إذ لا يتسنى ذلك لكم في الليل بسبب ابتغائكم الراحة فيه «وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ» بسبب اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما بانتظام بديع لا يتغير، فتعرفوا المواسم وأوقات الحج ومواقيت السحر والإفطار بالصوم ومواعيد حلول آجال ديونكم واجاراتكم، ومدد المعاهدات التي تضربونها بينكم، فالعدد للسنين والحساب للشهور والأيام والساعات، ولا بعد هذه المراتب الأربعة إلا التكرار، على أن اختلاف القمر في مقادير النور له أثر عظيم في أحوال هذا العالم ومصالحه، مثل المدّ والجزر، ومثل أحوال البحرانات، وللفلاسفة في بحث محو القمر كلام طويل لا محل له هنا، وللأثريين فيه أقوال متخالفة، فمنهم من هو منهمك في وسائل الوصول إليه للوقوف محلى ما يتخيلونه فيه، ولعمري أن جل ما يقولونه مبني على الحدس والحدس خطأه أكثر من صوابه، لذلك لم نذكر شيئا مما قالوه فيه ومن أراد استيفاء البحث فيه فليراجع كتبهم، ومنهم من يتكهن فيه وبما فيه، ومنهم من اشتغل بنوره وكيفية اقتباسه من الشمس وبعده وقربه منها الى غير ذلك، هذا وقد عبّر الله تعالى عن الرزق بالفضل، وعن الكسب بالابتغاء، لأن العبد لا تأثير له في تحصيل الرزق إلا بالطلب، والإعطاء منوط بالله تعالى بطريق التفضل لا بالوجوب وتأثير الطلب مثل تأثير الأسباب العادية لا تتوقف حقيقة الرزق عليه، وقد جاء في الخبر يطلبك أجلك. ولله در القائل:

<<  <  ج: ص:  >  >>