للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحققيين نفقة في خير فاكثر، فقال له صاحبه لا خير في السّرف، فأجابه كثر الله أحبابه: لا سرف في الخير، وهذا صحيح إذا كان في أهله وعن غنّى ويحسن نية.

قال تعالى «وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ» أيها الغني القريب «عَنْهُمُ» عن أقاربك الفقراء المحتاجين العاجزين والمساكين المعدمين والفقراء وأبناء السبيل المقطوعين لضيق ذات يدك أو لأمر أخطرك فأوجب إغضاءك عنهم حياء وكان ذلك منك «ابْتِغاءَ» طلب ورجاء «رَحْمَةٍ» رزق «مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها» تتوقعها وتترقب حصولها ومجيئها لتعطيهم منها «فَقُلْ لَهُمْ» عند ما تريد انصرافهم أو ردهم «قَوْلًا» جميلا لا تأنيب فيه عليهم ولا كسر لخواطرهم «مَيْسُوراً» ٢٨ لينا وعدهم وعدا تطيب به خواطرهم كأن تقول لهم إن لنا مالا سيحضر أو دينا سنقبضه قريبا ونخصكم به، وادع لهم بما فيه اليسر لك ولهم، وتقدم معنى أمّا بالآية ٢٣ المارة، وأنث الضمير في ترجوها باعتبار اللفظ لأنه سمّى الرزق رحمة وهو يعود إليها ووضع الابتغاء موضع الفقد لأن فاقد الرزق مبتغ له فكان الفقد سببا للابتغاء مسبّب عنه فوقع السبب الذي هو الابتغاء موضع المسبب الذي هو الفقد. هذا وما قيل إن هذه الآية نزلت بمهجع وبلال وصهيب وسالم وخبّاب الذين كانوا يسألون حضرة الرسول أحيانا ما يحتاجونه وأنه لا يجد ما يعطيهم فيعرض عنهم حياء ويمسك عن القول، أو أنها نزلت في أناس من مزينة جاءوا يستحملون حضرة الرسول فقال لهم (لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) الآية ٩٤ من التوبة في ج ٣، إذ ظنوا أن ذلك من غضب رسول الله، لا وجه لهما ولا حقيقة، لأن هذه السورة مكية وتلك الحادثتين وقعتا في المدينة، وإنما هذه الآية عامّة في كل أحد ولا يخصصها ما قيل إن النبي صلّى الله عليه وسلم كان إذا سئل شيئا ليس عنده صرف وجهه الشريف وسكت، لأن هذه الحالة شأن كل عاقل منصف، فكيف لا تكون بأكمل الناس عقلا وإنصافا، فهي شاملة لحضرة الرسول وأمته الخيرية على الإطلاق كالآيات التي قبلها. جاء عن الإمام مالك رحمه الله أنه كان لا يري أن يقال للسائل إذا لم يعطه شيئا رزقك الله تعالى أو نحوه، لأن ذلك مما يثقل على السائل ويكره سماعه، ولا ينبغي أن يذكر اسم الله تعالى لمن لا يهش له، وهذا القول ردّ لقول من فسر القول الميسور بأن يقال للسائل رزقك

<<  <  ج: ص:  >  >>