للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله وأعطاك الله، وهو قول مفترى بعيد لصون اسم الله تعالى ممن لا يبتهج بسماعه، ولذلك فسّرنا القول الميسور بالدعاء للفقير باليسر فقط والكلام اللين، وعليه فالأولى أن يقال للسائل ممن لا يريد أن يعطيه ائت بوقت آخر تحاشيا لذكر اسم الله عند من لا يحب سماعه في هذا الباب، فإذا جاء ولم يكن عنده شيء فليقل لم يتيسر لي ما أعطيكم. هذا وقد استدل بعض المفسرين أن في قوله تعالى (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ) دليل على النهي عن الإعراض فيكون المعنى إن أردت الإعراض عنهم ولم ترغب أن تعطيهم (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً) بأن تعدهم بالعطاء والانتظار لوقت آخر يتيسر لك الإعطاء فيه ولا تقطع أمله فيك وتلطف به بكلام ليّن ووجه منطلق وخفض جانب، وقدمنا في سورة الضحى ما يتعلق بهذا البحث فراجعه، قال تعالى «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ» أيها الغني الموسع عليك «مَغْلُولَةً» هذا تمثيل لمنع البخل والشح كما قاله بعض المفسرين، لأن البخل يكون في مال الرجل البخيل، والشحّ يكون في مال غيره فهو أقبح من البخل، وهو مبالغة في ذم عدم الإعطاء، وقوله تعالى (إِلى عُنُقِكَ) أي لا تمسك يدك عن الإعطاء فتجعلها كالمربوطه في عنقك «وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ» تمثيل للإسراف في العطية أي لا تعطه جميع ما عندك «فَتَقْعُدَ» إن فعلت ذلك «مَلُوماً» على الإسراف من نفسك لندمك على فقد ذات يدك بسبب طيشك، وعند الناس تلام أيضا على تضييع كل ما في يدك من المال، لأنهم لا يحمدونك على فعلك هذا، ولا يحبذونه لك، وهو عند الله مذموم أيضا، لأنه لا يحبّ المسرفين، راجع الآية ٢٠ من الأعراف المارة ولا يرضى لعباده ما لا يحبه «مَحْسُوراً» ٢٩ متحسرا على ما فرط منك مغموما على لوم نفسك ولوم الناس لك وبقائك صفر اليدين مخالفا لأمر الله تعالى الموجب الأمر بالاقتصاد في النفقة، راجع الآية ٦٦ من سورة الفرقان المارة، لأن هذين النّهيين يوجبان على الرجل أن يسلك سبيلا وسطا بين الإفراط والتفريط، وهذا هو الجود الممدوح والاقتصاد المطلوب وخير الأمور أوساطها، قال ابن الوردي:

بين تبذير وقتر رتبة ... وكلا هذين إن زاد قتل

وأخرج أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما عال

<<  <  ج: ص:  >  >>