للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال: "جُبَيْلٌ"، ثم قال: "شاهق الرأس" وهو العالي، فدلّ على أنّه أراد تفخيم شأنه. وقالوا: "يا بُنَيَّ"، و"يا أُخَيَّ"، ويريدون المبالغة.

وهذا ليس من أُصول البصريين. وجميعُ ما ذكروه راجعٌ إلى معنى التحقير. فأمّا قولهم: "دُوَيْهِيَةٌ"، فالمراد أنّ أصغر الأشياء قد يُفْسِد الأُصول العِظَام، فحَتْفُ النفوس قد يكون تصغير الأمر الذي لا يُؤْبَهُ له. وأمّا قوله: "فُوَيْقَ جُبَيْلٍ"، فالمراد أنّه صغيرُ العَرْض، دقيقُ الرأس، شاقُّ المصعد لطُوله وعُلُوِّه. وأمّا "بُنَيّ"، و"أُخَيّ"، فالمراد تقريبُ المنزلة ولُطْفُها؛ لأنه قد يصل بلَطافةِ ما بينهما إلى ما يصل إليه العظيمُ.

فإذا صغّرتَ الاسم المتمكّن، ضممتَ أوّله، وفتحتَ ثانيه، وزدتَ عليه ياء ثالثة ساكنة، وتكسر ما قبل آخِره فيما زاد على الثلاثة. وإنما قلنا: "المتمكّن" تحرُّزًا ممّا ليس بمتمكّنِ من الأسماء، نحوِ أسماء الإشارة، مثل: "ذَا"، و"تَا"، والموصولِ، نحو: "الذِي"، و"الَّتِي"، فإنّك إذا صغّرتَ هذه الأسماء، لا تضمّ أوّلَها، بل تُبْقِيها على حالها في المُكبَّر، وسيوضَح أمرُها إذا انتهينا إليها.

فإن قيل: ولِمَ كان إذا صغّروا الاسم، يُضَمّ أوّله؟ قيل: لأنّا إذا صغّرنا الاسم، فلا بدّ من تغييره بعلامةٍ تدلّ على المصغَّر، وكان الضمُّ أولى؛ لأنّ الفتحة للجمع في نحو: "مَساجِدَ"، و"ضَوارِبَ"، فلم يبق إلَّا الكسرُ والضمُّ، فاختاروا الضمّ؛ لأنّ الياء علامةٌ للتصغير، وما بعدها مكسور فيما زاد على الثلاثة، فكرهوا كسرَ الأول لثِقَل اجتماع كسرتَيْن مع الياء، وكانت عنه مندوحةٌ إلى الضمّة.

وقال بعضهم: إنّما ضمّوا الأوّل من المصغّر تشبيهًا بفعلِ ما لم يُسَمَّ فاعله، فكما ضمّوا أوّلَ "ضُرِبَ"، كذلك ضمّوا الأولّ من المصغّر في نحو: "حُجَيْر". والجامعُ بينهما أنّ المكبّر يكون على أبنية مختلفة، وهو الأصل، ولم يفتقر الكلامُ معه إلى علامة تدلّ على التكبير؛ لأنّ العلامات إنّما يؤتَى بها عند تغيير الكلام عن أصله. وأمّا التصغير، فيفتقر إلى علامة؛ لانّه حادثٌ لنِيابَته عن الصفة على ما قدّمنا. وكذلك فعلُ ما لم يسمّ فاعله من حيث إن ما سُمّي فاعله على الأصل، ولا يفتقر إلى علامة تدلّ عليه، وهو على أبنية مختلفة، نحوِ: "صرَبَ"، و"عَلِمَ"، و"ظَرُفَ"، فإذا لم يسمّ فاعله، ألزموه بناءً واحدًا , وضمّوا أوّله ليدلّ التغييرُ على المعنى الحادث فيه، فقالوا: "ضُرِبَ"، و"عُلِمَ"،


= وجملة "لم تكن لتبلغه": في محلّ جرّ صفة لـ "جبيل". وجملة "لتبلغه": في محلّ نصب خبر "تكن". وجملة "تكلّ": صلة الموصول الحرفي لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "تعمل": معطوفة على جملة "تكل".
والشاهد فيه قوله: "جبيل" حيث أفادت معنى التفخيم، وليس هذا شأن التصغير عادة. بينما تفيد (ربّ) التكثير عادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>