للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"ضَرّابٌ عمرًا، ومَنْحازٌ إبلَه، وحَذِرٌ عدوَّه، ورَحِيمٌ أباه". والتقديم في ذلك كلّه والإضمار جائزٌ، كما كان في "فاعِلٍ". وتقول: "هو ضَرُوبُ زيدٍ وعمرًا"، وإن شئت "وعمرو"، كما فعلت في "ضارب"، وتقول: "أزيدًا أنت ضَرُوبُه"، كما تقول: "أزيدًا أنت ضاربُه"، فأمّا قوله [من الطويل]:

أخا الحَرْب لَبّاسًا إليها جِلالَها ... وليس بَولّاجِ الخَوالِفِ أَعْقَلَا

فإن البيت للقُلاخ بن حَزن التميميّ، والشاهد فيه نصب "الجلال" بـ"لَبَّاس". و"لبّاس": تكثير "لابِس". يصف رجلًا بالشجاعة، والمراد بالجلال الدُّروع، وما يُلْبَس للحرب، جعلها جلالًا. والولّاج: الكثيرُ الولوج، وأراد بالخوالف البيوت، وهو جمع خالفةٍ، وأصلها الشقّة تكون في أسفل البيت. والأعقل: الذي يضطرب رِجْلاه من الفَزَع.

قال سيبويه: وسمعنا من يقول: "أمّا العَسَلَ فأنا شَرّابٌ" فنصب العسل بـ"شَرّاب" كما تقول: "أمّا العسلَ فأنا شاربٌ" فهو شاهد على الإعمال، وجواز التقديم. وأمّا قوله [من الطويل]:

ضروبٌ بنَصْل السيف سُوقَ سِمانِها ... إذا عَدِمُوا زادًا فإنّك عاقِرُ

البيت لأبي طالب بن عبد المُطَّلِب، والشاهد فيه إعمال "فَعُول" كإعمال "فاعل"، فنصب "سوق سمانها" بـ"ضروب" كما تنصبه بـ"ضارب"، يرثي أبا أُمَيةَ بن المُغِيرَة بن عبد الله، ويصفه بالكرم، والمراد أنّه يعقِر الإبل السمان للأضياف عند عدم الزاد وشدّة السنة. ومثله قول الآخر [من الطويل]:

بَكَيْتُ أخا اللأْواءِ يُحْمَدُ يومه ... كريمٌ رُؤُوسَ الدارِعِينَ ضَرُوبُ

البيت لأبي طالب، والشاهد فيه إعمال "فَعول" كـ"فاعِل"، وفيه دلالةٌ على جواز تقديم معموله عليه, لأن المراد: ضروب رؤوسَ الدارعين، ثمّ قُدّم. وحكى سيبويه عن العرب: "إنّه لَمِنْحارٌ بَوائكها"، نصب "البوائك" بـ"منحار"، وهذا نصٌّ على إعمال "مِفْعال". والبوائك: جمع بائكةٍ، وهي السمينة الفَتِيّة. قال الكسائي: باكت الناقة تبوك إذا سمِنت. وقد أنشد سيبويه في إعمال "فَعِل" [من الكامل]:

٨٩٩ - حَذِرٌ أُمُورًا لا تَضِيرُ وآمِنٌ ... ما ليس مُنْجِيَهُ من الأَقْدارِ


٨٩٩ - التخريج: البيت لأبان اللاحقي في خزانة الأدب ٨/ ١٦٩؛ ولأبي يحيي اللاحقي في المقاصد النحوية ٣/ ٥٤٣؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨/ ١٥٧؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ٤٠٩؛ وشرح الأشموني ٢/ ٣٤٢؛ والكتاب ١/ ١١٣؛ ولسان العرب ٤/ ١٧٦ (حذر)؛ والمقتضب ٢/ ١١٦.
اللغة: لا تضير: أي لا تضرّ.
المعنى: يصف الشاعر إنسانًا جاهلًا بقوله: إنّه يحذر ما لا ينبغي الحذر منه، ويأمن ما لا ينبغي أن يؤمن. =

<<  <  ج: ص:  >  >>