للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا: هو البرق الضعيف، ومنه قولهم: "رجلٌ كَلِيلٌ"، إذا كان مُعْيِيًا، من "كلّ يَكِلُّ"، فهو فعل غير متعدّ، ألا ترى أنّه لا يقال: "كل زيدٌ عمرًا"، والمَوْهِن: الساعة من الليل، فهو لا ينتصب في غير الظرف، وإذا كان انتصابه على الظرف؛ لم يكن فيه حجّةٌ.

والصحيح ما ذهب إليه سيبويه، وهو القياس, لأن صفات المبالغة إذا كانت معدولة؛ جاز أن تتعدّى. فمن ذلك "فَعُولٌ"، و"مِفْعالٌ"، و"فَعّالٌ"، فهكذا سبيلُ "فَعِيلٍ" إذا كان معدولًا، كقولك: "رَحِيم" من "راحمٍ"، و"عليم" من "عالم"، فيجوز: "زيدٌ رحيمٌ عمرًا"، كما تقول: "راحمٌ عمرًا"؛ لأنه معدول عنه، هذا مع السماع؛ فأمّا قولهم عن البيت الأول، وهو:

حَذِرٌ أمورًا ... إلخ

فإن سيبويه رواه عن بعض العرب وهو ثقةٌ، لا سبيلَ إلى رَد ما رواه. وأمّا البيت الثاني فإنّ ما ذهب إليه سيبويه هو الظاهر، وما ذكروه تأويلٌ، وذلك أن "شنجًا" في المعنى لازم، والمراد بـ"العضادة" القوائم، وليست ظرفًا، فالمراد أنّه لازمٌ عضادة سمحج، وقد جاء عنهم هذا المعنى مصرَّحًا به في قول الآخر [من الرجز]:

٩٠٢ - قالت سُلَيْمَى لَسْتَ بالحادي المُدِلْ ... مالك لا تَلْزَمُ أَعْضادَ الإبِلْ


٩٠٢ - التخريج: الرجز لحيان بن جزء في أساس البلاغة (عضد).
اللغة والمعنى: الحادي: راعي الإبل الذي يشدو لها لتسير. المدل: المرشد، الذي يعرف الطريق جيدًا. أعضاد الإبل: قوائمها.
عيّرته سليمى بأنه ليس راعيا جيدًا، وتساءلت لم لا يترك الإبل تسير على هواها؟!
الإعراب: "قالت": فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. "سليمى": فاعل مرفوع بضمة مقدّرة على الألف للتعذر. "لست": فعل ماضٍ ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: ضمير متصل مبني في محل رفع اسم "ليست". "بالحادي": الباء: حرف جز زائد، و"الحادي": اسم مجرور لفظًا، منصوب محلًا على أنه خبر "ليس". "المدل": نعت الحادي منصوب بالفتحة (على المحل) وأو مجرور بالكسرة (على اللفظ)، وسكن لضرورة الشعر. "ما": اسم استفهام مبني في محل رفع مبتدأ. "لك": جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف. "لا": حرف نفي. "تلزم": فعل مضارع مرفوع بالضمّة، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقدير: أنت. "أعضاد": مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف. "الإبل": مضاف إليه مجرور بالكسرة، وسكن لضرورة الشعر.
وجملة "قالت سليمى": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لست بالحادي": في محل نصب مفعول به (مقول القول). وجملة "مالك": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لا تلزم": في محل نصب حال من الضمير "لك".
والشاهد فيه قوله: "أعضاد الإبل" حيث نصبها بالفعل "تلزم"، وبالتالي فـ"شنج" (في قول ابن أحمر المتقدّم) ينصب "عضادة سمحج" كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>