للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثلُ "دخلتُ البيتَ" "ذهبتُ الشأمَ" أمرُهما واحد، ولا يُقاس عليهما غيرُهما؛ لقلة ما جاء من ذلك.

واعلم أنه يجوز تقديم المفعول على الفاعل وعلى الفعل نفسه، نحوَ قولك: "ضرب زيدًا عمرو"، و"عمرًا ضرب زيدٌ"، كل ذلك عربي جيد، وذلك إذا لم يلتبس؛ لأن الإعراب يفصل بين الفاعل والمفعول، فإن لزم من ذلك لبس بأن يكون الاسمان مبنيين، أو لا يظهر فيهما الإعرابُ لاعتلال لامَيْهما، نحوِ: "ضرب هذا ذاك"، و"أكرم عيسَى موسَى"، فحينئذ يلزم حفظُ المرتبة؛ ليُعْرَف الفاعل بتقدّمه، والمفعول بتأخره.

وأمّا ما يتعدّي إلى مفعولَيْن، فهو على ضربين: أحدهما ما يتعدّي إلى مفعولَين، ويكون المفعول الأول منهما غير الثاني. والآخر أن يتعدّي إلى مفعولين، ويكون الثاني هو الأولَ في المعنى.

فأما الضرب الأوّل، فهي أفعال مَؤَثرة تنفذ من الفاعل إلى المفعول، وتؤثر فيه، نحوَ قولك: "أعطى زيد عبدَ الله درهما"، و"كسا محمّد جعفرًا جبة"، فهذه الأفعالُ قد أثرت اعطاءَ الدرهم في عبد الله، وكسوَةَ الجبة في جعفر. ولا بد أن يكون المفعول الأول فاعلًا بالثاني، ألا ترى أنك إذا قلت: "أعطيت زيدًا درهمًا" فـ"زيدٌ" فاعلٌ في المعنى لأنه آخذ الدرهم؟ وكذلك "كسوتُ زيدًا جبة"فـ"زيدٌ" هو اللابس للجبة.

ومن هذا الباب ما كان يتعدّي إلى مفعولين، إلّا أنه يتعدّي إلى الأول بنفسه من غير واسطة، وإلى الثاني بواسطة حرف الجرّ، ثم اتسع فيه، فحذف حرف الجرّ، فصار لك فيه وجهان، وذلك نحو قولك: "اخترْتُ الرجالَ بكرًا"، وأصله: "من الرجال". قال الله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} (١)، أي: من قومه. ومنه "استغفرت الله ذنبًا، أي: من ذنب. قال الشاعر [من البسيط]:

٩٩٧ - أستغفرُ الله ذنبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ ... [رب العِبادِ إِليهِ الوجهُ والعَمَلُ]


(١) الأعراف: ١٥٥.
٩٩٧ - التخريج: البيت بلا نسبة في أدب الكاتب ص ٥٢٤؛ والأشباه والنظائر ٤/ ١٦؛ وأوضح المسالك ٢/ ٢٨٣؛ وتخليص الشواهد ص ٤٠٥؛ وخزانة الأدب ٣/ ١١١، ٩/ ١٢٤؛ والدرر ٥/ ١٨٦؛ شرح أبيات سيبويه ١/ ٤٢٠؛ وشرح التصريح ١/ ٣٩٤؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٨١؛ والكتاب ١/ ٣٧؛ ولسان العرب ٥/ ٢٦ (غفر)؛ والمقاصد النحوية ٣/ ٢٢٦؛ والمقتضب ١/ ٣٢١؛ وهمع الهوامع ٢/ ٨٢.
اللغة والمعنى: لست محصيه: لست أعرف عدده. إليه الوجه والعمل: أي إليه تتوجّه الوجوه الأعمال الصالحة.
يقول: إني أستغفر الله من ذنوبي العديدة، وهو ربّ العباد الذي إليه تتوجّه الوجوه والأعمال الصالحة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>