الزاي، فتصير بين بين، فمثالُ الثاني - وهو الإبدال - قولهم في "مَصْدَر": "مَزْدَرٌ"، وفي "أَصْدَرْتُ ": "أَزْدَرْتُ"، ومنه قولهم في المثل:"لم يحرم من فزْد له"، والمراد:"فُصِدَ"، فأُسكنت الصاد تخفيفًا على حدّ قولهم في "ضُرِبَ": "ضُرْبَ"، وفي "قَبِلَ": "قَبْلَ"، ثمّ قلبوا الصاد التي هي الأصل زايًا.
ومعنى هذا المثل أئه كان عادتهم إذا ورد على أحدهم ضَيْفٌ، ولم يَحْضُرْه قِرّى، عمد إلى راحلته، ففصدها، وتَلقّى من دمها، واشتووه له، فيتبلَّغ به، فقيل:"لم يُحرَمْ من فُزْدَ له". يُقرَب ذلك لمن قصد أمرًا، ونال بعضَه.
ومن ذلك قولُ حاتم، وقد عقر إبلاً لضَيْف، فقيل له: هلاّ فصدتَها؟ فقال:"هذا فَزْدِى أنَهْ", أي: فصدي، والهاء في "أنَهْ" إمّا للسكت، وإمّا بدلاً من الألف في "أَنَا".
فمن أبدل من الصاد زايًا خالصةً، فحجّتُه أن الصاد مُطبَقة مهموسةٌ رِخْوَةٌ، فقد جاورت الدالَ، وهي مجهورة شديدة غير مطبقة، فلمّا كان بين جَرْسَيْهما هذا التنافي، نَبَتِ الدالُ عنها بعضَ نُبُوٍّ، فقرّبوا بعضَها من بعض، ولم يمكن الادّغام، ولم يجترئوا على إبدال الدال, لأنها ليست زائدة كالتاء في "افْتَعَل"، نحو:"اصْطَبر"، فأبدلوا من الصاد زايًا خالصةً، فتناسبت الأصواتُ, لأنّ الزاي من مخرج الصاد، وأختُها في الصغير" وهي تُناسِب الدالَ في الجهر، فتَلاءما، وزال ذلك النُبُوُّ. قال سيبويه (١): سمعنا العرب الفصحاء يجعلونها زايًا خالصةً.
وأمّا المضارعة، فأن تنحو بالصاد تحو الزاي، فتصير حرفًا مخرجُه بين مخرج الصاد، ومخرج الزاي، ولم يبدلوها زايًا كالوجه الذي قبله محافَظةً على الإطباق؛ لئلا يذهب لفظُ الصاد بالكُلّيّة، فيذهب ما فيها من الإطباق. والإطباقُ فضلةٌ في الصاد، فيكون إجحافًا بها, وليس كذلك السينُ في "يَسْدَل"، و"يَسْدَر"؛ لأنّه لا إطباقَ فيها يُذْهِبه القلبُ، فلم يجز المضارعةُ؛ لذلك قال: وإن تحرّكت الصاد امتنع البدل, لأنّه قد صار بين الصاد والدال حاجزٌ، وهو الحركة؛ لأنّ محلّ الحركة من الحرف بعده، وهذا الإبدال ها هنا من قبيل الادّغام؛ لأنّ فيه تقريبًا للصوت بعضِه من بعض, ولذلك يذكرونه مع الادّغام، فكما أن الحركة تمنع الادّغام، فكذلك ههنا مع أن الحرف قد قوي بالحركة، فلم يُقْلَب؛ لأنّ الحرف لا ينقلب إلَّا بعد إيهانه بالسكون، وجازت المضارعةُ؛ لأنها أضعفُ الوجهَيْن من حيث إن فيها ملاحظةً للصاد، فلم تجر مجرى الادّغام، فيقولون: "صَدَرَ" و"صَدَقَ"، وذلك مطرد مستمر، ولا يجوز قلبُها زايًا إلا فيما سُمع من العرب.
وإن فصل بينهم أكثرُ من حركة، لم تستمرّ إلَّا فيما سُمع من العرب، نحو: