للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهما: أن يكون منصوبًا بالمصدر المذكورِ، إذ كان في معنى الفعل، وذلك أنّ قولنا: "له صوتٌ" في معنَى "يُصَوِّتُ"، فالمصدرُ نائبٌ عن الفعل، وانتصابُ "صوتَ حمار" على هذا إمّا على المصدر، وإمّا على الحال. وعلى كِلا الوجهَيْن في "صوتَ حمار" معنى التشبيه، فإذا نصبتَه على المصدر، فتقديرُه: فإذا هو يُصوِّت تصويتًا مثلَ صوتِ حمار، ثمّ حذفتَ على ما ذكرنا متقدِّمًا. وإذا كان حالًا، فتقديرُه: فإذا هو مُشْبِهًا صوتَ حمار، أو مُمثلًا صوتَ حمار.

والوجه الثاني: أن يكون نصبه بإضمار فعل يجوز أن يكون الفعلُ من لفظِ الصوت، ويجوز أن يكون من غير لفظه، فإذا كان من لفظه، فتقديرُه: فإذا له صوتٌ يَصوت صوتَ حمار، ويكون نصبُ "صوتَ حمار" على المصدر، أو على الحال نحوَ ما تقدّم. وإذا قدّرتَ الفعلَ العاملَ من غيرِ لفظِ الأول، لم يكن نصبُ "صوت حمار" إلَّا على الحال لا غيرُ، كأنّك قلت: "له صوتٌ يُخْرِجه صوتَ حمار، أو يُمثِّله صوتَ حمار".

ومثله: "له صُراخٌ صُراخَ الثَّكْلَى"، و"له دَقٌّ دَقَّك بالمِنْحاز حَبّ القِلْقِل"،

والمنحاز: الهاوُونُ، والقِلقِلُ بالكسر وقافَيْن: حَبٌّ أسودُ، وهو أصلُ ما يكون من

الحبُوب، والعامّةُ تقول فُلْفُلٌ بالضمّ والفاءِ، وهو تصحيفٌ منهم. والكلامُ عليها كالكلام

في المسألة المتقدِّمة، والنُّكْتَة في ذلك أنّه يريد: مررتُ به وهِو يُصوِّت، ولم يُرِدْ أن

يصِفه بذلك أو يُبْدِله منه فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: "ومنه ما يكون توكيداً؛ إما لغيره كقولك: "هذا عبد الله حقاً، والحق لا الباطل"، و"هذا زيدٌ غير ما تقول"، و"هذا القول لا قولك"، و"أجدَّك لا تفعل كذا أو لنفسه كقولك: "له عليَّ ألف درهم عُرفاً، وقول الأحوص [من الكامل]:

١٦٠ - إني لأمنحك الصُّدود وإنني ... قسماً إليك مع الصدود لأميل


١٦٠ - التخريج: البيت للأحوص في ديوانه ص ١٦٦؛ والأغاني ٢١/ ١١٠؛ وخزانة الأدب ٢/ ٤٨، ٨/ ٢٤٣، ٢٤٤؛ والزهرة ص ١٨١؛ وسمط اللآلي ص ٢٥٩؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٧٧؛ وبلا نسبة في أمالي المرتضى ١/ ١٣٥؛ وخزانة الأدب ٨/ ١٧٧، ٩/ ١٦٢؛ والمقتضب ٣/ ٢٣٣، ٢٦٧؛ والمقرب ١/ ٢٥٦.
اللغة: الصدُود: الإعراض.
المعنى: أيها البيت أقسم إنني لأتظاهر بالإعراض عنك اتقاء ألسنة الناس، وإنني مع هذا الإعراض لميَّال إليك متعلق بك.
الإعراب: "إنّي": "إن": حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم: ضمير متصل مبنيّ في محلّ نصب اسم "إنّ". "لأمنحكَ": اللام: المزحلقة للتوكيد، و"أمنحك": فعل مضارع مرفوع بالضمة، وكاف الخطاب: ضمر متصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنا. "الصدودَ":

<<  <  ج: ص:  >  >>