للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلمية (١)؟ فالجوابُ أنّ المعارف كلها إذا نُوديتْ تنكّرتْ، ثمّ تكون معارفَ بالنداء. هذا قولُ أبي العباس المبرّد.

وقد خالَفَه أبو بكر بنُ السرّاج، أي: خِلافَ الصَّواب، وزعم أنّ قول أبي العبّاس فاسدٌ، قال: وذلك أنَّه قد وقع في الأسماء المفردةِ ما لا يشارِكه فيه غيرُه، نحو: "فَرَزْدَقٍ"، وزعم أنّ معنى تنكيرٍ اللفظ أن تجعله من أُمَّةٍ كلُّ واحد منهم له مثلُ اسمه.

والقول ما قاله أبو العبّاس، وما أورده أبو بكر فغيرُ لازم, لأنّه ليس ممتنعًا أن يسمّي الرجلُ ابنَه، أو عبدَه الساعةَ فرزدقًا، فتحصل الشركةُ بالقُوّة والاستعدادِ.

ونظيرُ ذلك أن الشمس والقمر من أسماء الأجناس، فتعرُّفُهما بالألف واللام، وإذا نزعناهما منهما، صارا نكرتَيْن، وإن لم يكن لهما شريكٌ في الوجود، فإنّما ذلك بالاستعداد, لأنه ليس مستحيلاً أن يخلُق اللهُ مثلهما. وإذا جاز ذلك في أسماء الأجناس، كان في الأعلام أَسْوَغَ، فصحَّ بما ذكرناه أنّك إذا ناديتَ العَلَمَ، تَنكَّر، ثمّ جُعل فيه تعريفٌ آخرُ قَصْديٌّ غيرُ التعريف الذي كان فيه، وصار ذلك كإضافة الأعلام، ومن المعلوم أنّك لمّا أضفتَها؛ فقد ابتززتَها تعريفَها، وحصل فيها تعريفُ الإضافة، وذلك نحو "زيدكم"، و"عمركم"، فكذلك ها هنا في النداء.

وإن قيل إذا قلت: "يا زيدُ" و"يا خالدُ" أمبنىٌّ هو أم معربٌ (٢)؟ وهل الضمّةُ فيه حركةُ بناء أو حركةُ إعراب؟ فالجوابُ أنّه مبنيٌّ على الضمّ، والذي يدلّ على ذلك حذفُهم التنوينَ منه، ولو كان معربًا لَمَا حُذف التنوين منه، كما لم يُحْذَف من النكرة، نحوَ [من الطويل]:

فيا راكبًا إمّا عرضتَ (٣)

وممّا يدلّ أنّه غيرُ معرب أن موضعه نصبٌ، ألا ترى أنّ المضاف إذا وقع موقعَه، يكون منصوبًا، نحوَ: "يا عبدَ الله"، وأنّ نَعْتَ المفرد والمعطوفَ يجوز فيهما (٤) الرفعُ على اللفظ والنصبُ، نحو: "يا زيدُ الظريفُ، والظريفَ"، و"يا زيدُ، والحارثُ، والحارثَ". قال الشاعر [من الوافر]:

١٨٨ - ألا يا قَيْسُ والضَّحّاكُ سِيرَا ... فقَدْ (٥) جاوزتُما خَمَرَ الطريقِ


(١) يلاحظ استعمال ابن يعيش لِـ "هل" في التصوُّر، وهي لا تستعمل إلّا في التصديق.
(٢) راجع الهامش السابق.
(٣) تقدم بالرقم ١٨٤.
(٤) في الطبعتين: "والمعطوف عليه يجوز فيه"، وهذا تحريف.
(٥) في الطبعتين: "وقد"، وهذا تحريف.
١٨٨ - التخريج: البيت بلا نسبة في الأزهية ص ١٦٥؛ والدرر ٦/ ١٦٨؛ ولسان العرب ٤/ ٢٥٧ (خمر)؛ واللمع ص ١٩٥؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٤٢.
اللغة: خمر الطريق: هو كلّ ما يستر من شجر وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>