للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُروى برفع "الضحّاك" ونصبه، ولولا أنّ موضعه نصبٌ، لَمَا جاز النصبُ في نَعْته وما عُطف عليه. وذلك أنّ العامل إذا عمِل من رفعٍ، أو نصب، أو جرٍّ، لم يكن لذلك الاسم موضعٌ سِوَى ما ظهر، ألا ترى أنّ المضاف لمّا لم يكَن له موضعٌ سوى ما هو عليه، لم يجز في نعته غيرُ النصب، فبَانَ بذلك أنّه مبنيٌّ مضمومٌ.

وقد ذهب قومٌ إلى أنّه بين المعرب والمبني، والمذهبُ الأوّلُ، إلا أنّ حركتَه، وإن كانت حركةَ بناء، إلّا أنها مشبَّهةٌ بحركةِ الإعراب من أجلِ أنّ كلّ اسم متمكِّن يقع في هذا الموضع يُضَمّ، فأشبه من أجلِ ذلك المرفوعَ بـ "قَامَ" ونحوِه من الأفعال، لأنّ كلَّ اسم متمكِّن يُسْنَد إليه الفعلُ، فهو مرفوعٌ، ولذلك حسن أن يتبعه النعتُ على اللفظ، فتقولَ: "يا زيدُ الطويلُ"، كما تقول: "قام زيدٌ الطويلُ".

فإن قيل: فلِمَ بُني وحقُّ الأسماء أن تكون معربةً؟ فالجوابُ أنّه إنّما بُني لوقوعه موقعَ غير المتمكِّن، ألا ترى أنّه وقع موقعَ المضمر، والمتمكّنةُ من الأسماء إنّما جُعلت للغَيْبة، فلا تقول: "قام زيدٌ" وأنتَ تُحدِّثه عن نفسه، إنّما إذا أردتَ أن تُحدِّثه عن نفسه فتأتي بضميره، فتقول: "قُمْتَ". والنداءُ حالُ خِطابٍ، والمنادَى مخاطَبٌ، فالقياسُ في قولك: "يا زيدُ" أن تقول: "يا أنتَ" والدليلُ على ذلك أن من العرب من ينادِي صاحبَه إذا كان مُقْبِلاً عليه، وممّا لا يلتبِس نداؤه بالمكْني فيُناديه بالمكني على الأصل، فيقول: "يا أنت". قال الشاعر [من الرجز]:

يا مُرَّ ابنَ واقعٍ يا أَنْتَا ... أنتَ الذي طلّقتَ عامَ جُعْتَا (١)


= المعنى: يخاطب الشاعر صديقيه بأن يسرعا في سيرهما لأنّهما تجاوزا ما كان يسترهما من شجر وغيره، وصارا بحيث يراهما من يطلبهما.
الإعراب: "ألا": حرف استفتاح. "يا": حرف نداء. "قيس": منادى مبني على الضمّ في محلّ نصب. "والضحّاك": الواو حرف عطف، الضحاك: معطوف على "قيس" ويجوز فيه الرفع إتباعًا له على اللفظ، أو النصب إتباعًا له على المحلّ الإعرابي. "سيرا": فعل أمر مبني على حذف النون، والألف ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. "وقد": الواو حرف عطف، أو تعليل، قد: حرف تحقيق. "جاوزتما": فعل ماضٍ مبني على السكون، والتاء ضمير متصل مبنيّ في محل رفع فاعل، والميم حرف عماد. والألف: حرف دالّ على تثنية المخاطب. "خمر": مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف. "الطريق": مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.
وجملة "ألا يا قيس ... ": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "قد جاوزتما ... ": تعليلية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "يا قيس والضحّاك" فإنّ "قيس" منادى مبنيّ على الضمّ، و"الضحّاك": اسم معطوف على "زيد" عطف نسق، وهو مقترن بـ "أل" غير مضاف، وقد روي بالرفع والنصب، فدلّ ذلك على أنّ المعطوف على المنادى، إذا كان بهذه المنزلة، جاز فيه الوجهان.
(١) تقدم بالرقم ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>