والمراد بـ "العربية": اللغةُ، وإن كانت العربيةُ أعمَّ من اللغة؛ لأنّ اللغة تقع على كل مُفْرَد من كلام العرب، والعربيةُ تقع على المفرد والمركَّب.
* * *
وقوله:"وجَبَلَني على الغَضَب للعَرَبِ، والعَصَبيةِ". "جبلني" أي: طبعني، يقال: جبل الله الخَلْقَ على كذا، أي: طبعهم؛ وهو مأخوذٌ من "الجِبِلَّة" وهي الطَّبِيعةُ؛ يقال ذلك للرجل يثبُت على أمرٍ، ولا ينفصل عنه.
و"الغضب": خِلافُ الرِّضَى؛ يقال "غضِبتُ له" إذا كان حيًّا، و"غضبت به"، إذا كان مَيْتًا.
و"العصبيّة": التعصُّبُ؛ مأخوذٌ من قولهم:"عَصَبَ القومُ بفُلان"، إذا أحاطوا به؛ وسُمّيتْ به "العَصَبَةُ"، وهي قَرابةُ الرجل لأبِيه؛ وأصلُ ذلك كله "العَصَبُ"، وهو أَطْنابُ المفاصل؛ لأنّ الأقارب يرتبط بعضهم ببعض كرَبْط العَصَبِ المفاصل.
...
وقوله:"وأَبَى لي أن أنفرد عن صَميم أنصارهم، وأمتازَ، وأَنضوِيَ إلى لَفيفِ الشعُوبيّه، وأنْحازَ". قولُهُ "أبى لي": كَرِهَ لي، يقال:"أَبَى يَأْبَى"، بفتح العين في الماضي والمضارع، وهو فعلٌ نادرٌ، ولم يأت منه إلاَّ ما كان عينُه أو لامُه حرفاً حَلْقيًّا؛ يقال: انفَرَدَ بالأمر؛ إذا قام فيه وحدَه من غير مشارِكِ، وانفرد عنه؛ إذا تركه وفارَقَ الجماعةَ؛ مأخوذ من الفَرْد، وهو الوَتر. والصَّمِيم: الخالِص من كلّ شيء، وصميمُ الحَرّ والبَرْد أشَدُّ، وأصلُ الصميم العَظْمُ الذي هو قِوامُ العِظام، والأنصار والأعوان، الواحدُ نَصِيرٌ، والنصير والناصر واحدٌ، و"فَعِيلٌ" يُجْمَع على "أَفْعالٍ"، كشريف وأشْراف، وأمّا فاعلٌ فبابُه أن يُجمع على "فَعْلٍ"، كـ"شارب وشَرْب"، و"تاجر وتَجْر".
و"أمتاز": "أَفْتَعِلُ"؛ من مِزْتُ الشيء أَمِيزُه؛ إذا فَرَزْتَه، يقال: امتاز القومُ؛ أي: تميَّز بعضُهم عن بعض، والمراد: أنعزِلُ وأخرُجُ من جُملتهم؛ ومنه قوله تعالى:{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}(١)؛ أي: انعزلوا عن أهلِ الجنّة، وكونوا فِرْقَة على حِدَة.
و"أنضوي": أىِ: أدخُل معهم، وأنتسِب إليهم.
و"اللفيف": ما اجتمع من الناس من قبائل شتَّى، كأنَّه ها هنا ضِدُ "صَمِيمهم".
و"الشعوبية"، بضمّ الشين: قومٌ يُصغّرون شأنَ العرب، وهو منسوبٌ إلى "الشُّعوب"، وهو جمعُ "شَعْب"، وهو ما تشعَّب من قبائِل العرب والعَجَم، ونظيرُه من النَّسَب إلى الجمع قولهم:"أَبْناويٌّ" في النسب إلى أَبْناءِ فارِسَ؛ وقيل: سُمّوا بذلك