للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالكَبِيرُ العظيمُ يَصْغُرُ قَدْرًا ... بالتَّجَرِّي على الكبيرِ العظيمِ

وَلَعُ الخَمْرِ بالعُقُولِ رَمَى الخَمْرَ ... بتَنْجِيسِها وبالتَّحْرِيمِ

...

وقوله: "وإلى أفضل السابقين والمُصَلِّين أُوَجِّهُ أفضلَ صَلَواتِ المُصَلّين؛ محمّدٍ المحفوفِ من بني عَدْنانَ بجماجمِها وأَرحائِها، النازِل من قُرَيْشٍ في سُرّةِ بَطْحائها": "السابقُ" من الخَيْل: هو الذي يَأتي في الحَلْبَة أوّلاً، و"المُصَلِّي": الذي يَتْلُوه؛ سُمّي مُصلِّيًا لأنّ رأسه يكون عند صَلّا السابق، و"الصَّلَا": مَغْرِز الذَّنَب؛ وكَنَى بذلك عن الأوّلين والآخرين من الثَّقَلَيْن (١).

وقوله: "أفضلَ صلواتِ المصلّين": أي دُعاء الداعين؛ يريد صلواتِهم على محمّد - صلى الله عليه وسلم -؛ و"محمَّدٌ": اسمْ عَرَبيٌّ، وه و"مُفَعَّلٌ" من الحَمْد، والتكريرُ فيه للتكثير؛ كما تقول: كرّمته فهو مكرَّمٌ، وعظّمته فهو معظَّمٌ؛ إذا فعلت ذلك مرَّة بعد مرّة؛ وهو منقول من الصفة على سبيلِ التَّفاؤل (٢) أنَّه سيكثُر حمدُه؛ وكان كذلك - صلى الله عليه وسلم -. روى بعضُ نَقَلَةِ العلْم فيما حكاه ابنُ دُرَيْد أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لمّا وُلد، أَمر عبدُ المُطلِب بجَزُورٍ، فَنُحِرتْ، ودعا رجال قُرَيْشٍ، وكانت سُنَّتُهم في المَوْلود، إذا وُلد في استقبالِ الليل، كَفَؤوا عليه قِدْرًا حتى يُصبحَ، ففعلوا ذلك بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأصبحوا وقوإنشقّت عنه القدرُ، وهو شاخصٌ إلى السماء، فلمّا حضرت رجالُ قريش، وطعِموا، قالوا لعبد المطّلب: ما سمّيتَ ابنك هذا؟ قال: سمّيتُه "محمّدًا". قالوا: ما هذا من أسماء آبائك. قال: أردتُ أن يُحْمَد في السمَوات والأرضِ.

يقال: رجلٌ محمودٌ، ومحمّدٌ. قال الأَعْشَى [من الطويل]:

٤ - إليك، أَبَيْتَ اللعْنَ، كان كَلالُها ... إلى الواحدِ الفَرْدِ الجَوادِ المحمّدِ (٣) فـ "محمودٌ" لا يدل على الكثرة، و"محمَّدٌ" يدلّ على ذلك. والذي يدل على الفرق بينهما قول الشاعر [من الطويل]:

٥ - فلستَ بمحمودٍ ولا بمحمَّدٍ ... ولكِنَّما أَنْتَ الحِبَطُّ الحُباتِرُ (٤)

وقد سمّت العربُ في الجاهليّة رجالاً من أبنائهم بذلك؛ منهم: "محمّدُ بن حُمْرانَ


(١) الثَّقَلان: الإنس والجِنّ.
(٢) في طبعة ليبزغ: "التَّفَؤُل".
(٣) ديوانه ص ٢٣٩؛ ولسان العرب ٣/ ١٥٧ (حمد)؛ والتنبيه والإيضاح ٢/ ٢٠؛ ومقاييس اللغة ٢/ ١٠٠؛ وتاج العروس ٨/ ٤١ (حمد).
(٤) لم أقع على هذا اليت فيما عدت إليه من مصادر. والحبط: المُنتَفِخ البطن من كثرة الأكل. الحُباتر: جمع حبْتَر، وهو القصير.

<<  <  ج: ص:  >  >>