للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "حَصِرَتْ" من الآية حالٌ، وتؤيِّده قِراءةُ من قرأ: "حَصِرَةً" (١) على ما تقدّم. وكذلك "غَذَا" من قوله: "غذا والزقُّ ملآن". وكذلك قوله: "بلّله القطرُ" في موضعِ حال.

وأمَّا المعنى فإنّ الفعل الماضي يقع صفةً للنكرة، وكلُّ ما جاز أن يكون صفةً، فإنّه يجوز أن يكون حالًا، ألا ترى أنّك تقول: "جاء زيدٌ يضحك" كما تقول: "جاء زيدٌ ضاحكًا"، لأنّك تقول: "جاء رجلٌ يضحك" كما تقول: "جاء رجلٌ ضاحكٌ"، فيكون صفةً للنكرة. وقد تقدّم الجوابُ عن النصوص بأنّ "قَدْ" مرادةٌ فيها، ولذلك حسُن الحالُ بالماضي، وأمّا ما ذكروه من المعنى، ففاسدٌ، والأمرُ فيه بالعَكْس، فإنّ كلَّ ما يجوز أنّ يكون حالًا يجوز أن يكون صفة للنكرة، وليس كلُّ ما يجوز أن يكون صفة للنكرة يجوز أن يكون حالًا، ألا ترى أن الفعل المستقبَل يجوز أن يكون صفة للنكرة، نحوَ: "هذا رجلٌ سَيَكْتُبُ أو سَيَضْرِبُ"، ولا يجوز أن يقع حالًا. فـ "ضاحِكٌ" ونحوُه إنّما وقع


= الأدب ٣/ ٢٥٤، ٢٥٥، ٢٥٧، ٢٦٠؛ والدرر ٣/ ٧٩؛ وشرح أشعار الهذليين ٢/ ٩٥٧؛ وشرح التصريح ١/ ٣٣٦؛ ولسان العرب ٢/ ١٥٥ (رمث)؛ والمقاصد النحوية ٢/ ٢٢٧؛ وشرح الأشموني ١/ ٢١٦؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٦١؛ وشرح قطر الندى ص ٢٢٨؛ والمقرب ١/ ١٦٢؛ وهمع الهوامع ١/ ١٩٤.
اللغة: تعرونى: تصيبني. النفضة: الاضطراب. انتفض: تحرّك. القطر: المطر.
المعنى: إنّه يصاب بهزّة عنيفة إذا ما تذكّر حبيبته، وينتفض كالطير الذي بلّله المطر. وهذا كناية عن شدّة حبه وولعه بها.
الإعراب: "وإنّي": الواو: حسب ما قبلها، "إنّي": حرف مشبّه بالفعل، والياء: ضمير في محلّ نصب اسم "إنّ". "لتعروني": اللام: المزحلقة. "تعروني": فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الواو للثقل، والنون: للوقاية، والياء: ضمير في محلّ نصب مفعول به. "لذكراك": جار ومجرور متعلّقان بـ "تعرو"، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محلّ جر بالإضافة، من إضافة المصدر إلى مفعوله، والفاعل محذوف تقديره: "لذكر إيّاك". "نفضة": فاعل "تعرو" مرفوع. "كما": الكاف: حرف جر، ما: حرف مصدريّ. "انتفض": فعل ماضٍ. "العصفور": فاعل موفوع. والمصدر المؤوّل من "ما وما بعدها" في محلّ جر بحرف الجرّ. والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لـ "نفضة" تقديره: "نفضة كائنة كانتفاض العصفور". "بلّله": فعل ماضٍ، والهاء: ضمير في محلّ نصب مفعول به، "القطر": فاعل مرفوع.
وجملة (إنّى لتعرونى) الاسميّة: معطوفة على جملة سابقة. وجملة (تعرونى) الفعليّة: في محلّ رفع خبر "إنّ". وجملة (بلْله القطر) الفعليّة: في محلّ نصب حال، تقديرها: "كما انتفض العصفور وقد بلّله القطر". غير أنّ الشاعر اضطرّ إلى الحذف لإقامة الوزن.
والشاهد فيه قوله: "انتفض العصفور بلّله القطر" حيث لم يأت بالواو الحالية ولا بـ "قد" قبل الماضي المثبت "بلّله".
(١) من الآية الكريمة {أوجاؤوكم حصرت صدورهم} [النساء: ٩٠] وهي قراءة ابن ذكوان وغيره. انظر: البحر المحيط ٥/ ١٨٧؛ وتفسير القرطبي ٨/ ٣٧٦؛ والكشاف ٢/ ٢٥١؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٨٦؛ ومعجم القراءات القرآنية ٣/ ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>