وَلا الموصولُ مع ما قبله بمنزلة اسم واحدٍ. وهذا إشارةٌ إلى عدمِ النظير، وإذا قام الدليلُ، فلا عِبْرَةَ بعدم النظير، أمّا إذا وجد، فلا شَكَّ أنّه يكون مُؤْنِسًا، وأمَّا أن يتوقّف ثبوتُ الحكم على وجوده فلا. ومن قال:"لا أبا لك"، فجعل المنفى مضافًا، وجعل اللامَ مقحَمةً، قال:"لا غلامَيْ لزيد"، و"لا ناصرِي لك"، بحذف النون, لأنّه أراد الإضافةَ، ثمّ أقحمَ اللامَ لتأكيد الإضافة.
وقوله:"فمشبَّهٌ بالمَلامِح، والمَذاكِير، ولَدُنْ غُدْوَةً"، يريد أنّ هذا الإقحام ورد شاذًّا على غيرِ قياس، كما أنّ الملامح والمذاكير كذلك، ألا ترى أنّ الواحد من الملامح لَمْحَةٌ، والواحدَ من المذاكير ذَكَرٌ، ولا يُجْمَع واحدٌ من هذَيْن البناءَيْن على "مَفاعِلَ"، و"مَفاعِيلَ"، وإنّما جاء في هذَيْن الاسمَيْن شاذًّا كأنّه جمعُ "مَلْمَحَةٍ"، وجمعُ "مِذْكَارٍ". جاء الجمعُ على ما لم يُستعمل، كما جاء "لا أبا لك" و"لا غلامَيْ لك" على إِرادةِ الإضافة، وإن لم يكن الإضافةُ مستعمَلةً إلَّا على نَدْرةٍ وضرورةٍ. وكذلك "لَدُنْ غُدْوَةً" نصبتْ "غدوة" بـ "لدن" على التشبيه باسم الفاعل، شُبّهت نُونُها بتنوينِ اسم الفاعل، والحركةُ قبلها بحركة الإعراب، واختصّ هذا الشَّبَهُ، والنصبُ بـ "غدْوَةٍ"، فلا يُنصَب غيرها.
وقوله:"وقَصْدُهم إلى الإضافة، وإثبات الألف، وحذفُ النون لذلك"، يريد أنّ الغرض بقولهم:"لا أبَا لك"، و"لا غلامَيْ لزيدٍ": الإضافةُ وأنّ التقدير: لا أباك، ولا غلامَيْك، وإن كانت اللامُ فاصلةً في اللفظ. يدل على ذلك ثبوتُ الألف في "الأب" في قولك: "لا أبَا لك"، وحذفُ النون في التثنية من قولك:"لا غلامَيْ لك"، ولو كان "الأب" منفصلًا غيرَ مضاف، لكان ناقصًا محذوفَ اللام، كما تقول:"هذا أبٌ"، و"رأيتُ أبا" و"مررت بأبٍ"، ولا يُستَعمل تامًّا إلَّا في حال الإضافة، نحو قولك "هذا أبوك"، و"رأيت أباك"، و"مررت بأبيك"، وكذلك النون في التثنية لا تسقُط في حالِ الإفراد إنّما تسقط للإضافة، فحذفُها هنا دليلٌ على إرادةِ الإضافة لفظًا.
وقوله: وإنّما أقحمت اللامُ المضيفةُ لتأكيد الإضافة، يريد إنّما خُصَّتْ هذه اللام بالإقحام دون غيرها من حروف الإضافة، لما فيها من تأكيدِ الإضافة، إذ الإضافةُ هنا بمعنى اللام، وإن لم تكن موجودةً. فإذا قلت:"أبو زيدٍ"، فتقديرُه:"أب لزيدٍ"، فإذا أتيتَ بها كانت مؤكِّدةً لذلك المعنى، غيرَ مُغيِّرةٍ له، ألا ترى أنَّ معنى المِلْك، والاختصاص مفهومٌ منها في حال عدم اللام، كما يُفهَم عند وجودها، فلا فرقَ بين قولك:"غلامُ زيدٍ"، و"غلامٌ لزيدٍ".
فلذلك لم يقولوا:"لا أبَا فيها"، و"لا مُجِيرِي منها"، و"لا رَقِيبَيْ عليها"، ولم يُقْحِموا غيرَ اللام، لأنّها لا تؤكّد الإضافة كما تؤكدها اللامُ.
وقوله: و"قضاءً من حقّ المنفيّ في التنكير"، يريد أنّ زيادةَ اللام في "لا أبَا لك" أفادت أمرين: أحدُهما تأكيدُ الإضافة، والآخرُ: لفظ التنكير، لفَصْلها بين المضاف