للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثلُ ذلك في تركِ الألف واللام، والاستغناء عن الجمع بالواحد المنكورِ، قولُك: "كل رجلٍ"، والمرادُ الرجال، ومثلُه قولهم: "عشرون درهمًا"، والمرادُ: من الدراهم.

وتقول: " هما أفضلُ رجلَيْن"، و"هم أفضلُ رجالٍ"، والمعنى أنّهما يفضُلان هذا الجنسَ إذا مُيزوا رجلَيْن رجلَيْن، ويفضلونه إذا مُيّزوا جماعة جماعة فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: وله معنيان: أحدهما أن يراد أنه زائد على المضاف إليهم في الخصلة هو, وهم فيها شركاء. والثاني أن يؤخذ مطلقاً له الزيادة فيها إطلاقاً, ثم يضاف لا للتفضيل على المضاف إليهم, لكن لمجرد التخصيص، كما يضاف ما لا تفضيل فيه وذلك نحو قولك الناقص والأشج أعدلا بني مروان، كأنك قلت عادلا بني مروان, فأنت على الأول يجوز لك توحيده في التثنية والجمع وأن لا تؤنثه قال الله تعالى: {ولتجدنهم أحرص الناس} (١)، وعلى الثاني ليس لك إلا أن تثنيه وتجمعه تؤنثه.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ "أَفْعَل" على ضربَيْن: أحدُهما أن يكون مضافًا إلى جماعة هو بعضُهم، تزيد صفتُه على صفتهم، وجميعُهم مشترِكون في الصفة، فتقول: "عبدُ الله أفضلُ القوم"، فهو أحدُ القوم، وهم شُركاءُ في الفضل المذكور، يزيدُ فضلُه على فضلهم. والذي قضى بذلك كلمةُ " أَفْعَلَ" من حيث كانت مقدرة بالفعل والمصدرِ. فإذا قلت: "زيد أَفضلُ القوم"، فالتقديرُ أنه يزيد فضلُه عليهم، أو يرجَح فضلُه، والرجَحانُ إئما يكون بعد التساوي، وكذلك لفظُ الزيادة يقتضي مَزيدًا عليه، فلذلك من المعنى اشترطوا الشرْكَةَ في الصفة.

وقد ذهب بعضُهِم إلى أنّ اشتراطَ الاشتراك في الصفة لا يلزمُه، واستدل على ذلك بقولهم: "ابنُ العَمّ أحَقُّ بالمِيراث من ابن الخال"، وإن كان لا حق لابن الخال الذي الميراث، ومثلُه قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} (٢)، وإن كان لا خيرَ في مستقر أهلِ النار، ولا حُسْنَ في مقيلهم.

وهذا لا حُجةَ لهم فيه, لأنّ ذلك جاء على زَعْمهم واعتقادِهم، وذلك أنهم كانوا يعتقِدون أن مُطْلَقَ القَرابةِ يوجِب الميراثَ، سواء كانوا من ذوي الأرحامِ أو العَصَباتِ، فقيل: "ابنُ العم أحق بالميراث من ابن الخال"، لأنه أقربُ، وكذلك قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} جاء على زَعْمهم واعتقادِهم أنّ مقيلهم في الآخرة حسنٌ، ومستقَرهم جميل، فقال: إن نزلنا معكم نُزولَ نَظَرٍ، فاصحابُ الجنة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسنُ مقيلًا.


(١) البقرة:٩٦.
(٢) الفرقان:٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>