والثاني: أن تُؤْخَذ الزيادة مُطْلَقًا من غيرِ تعرُّض إلى ابتدائها، ولا انتهائِها، وتصير من صفاتِ الذات بمنزلةِ الفاضل، إلَّا أن في الأفضل مبالغةً ليست في الفاضل، وتُضيفه إلى ما بعده، لا لتَفْضيله عليهم، وتقديرِ "مِنْ" على ما كان في الأول، لكن للتخصيص، كما تكون إضافةُ ما لا تفضيلَ فيه، فتقول:"أَفْضَلُكم" كما تقول: "فاضِلُكم"، أىِ: الفاضلُ المختصُّ بكم.
ومنه قولهم:"الناقِصُ والأشَجُّ أَعْدَلَا بني مَرْوانَ"، فقولهم:"أعدلا" ها هنا بمعنَى العادلين منهم، ألا ترى أنّه ثنّاه، ولو كان المرادُ التفضيلَ لكان موحَّدًا على كلّ حال.
والأشَج ههنا عمرُ بن عبد العزيز بن مَرْوانَ، وكان يقال له:"أَشَجُّ بني أُمَيَّة" من أجلِ شَجَّةِ حافِرِ دابةٍ، كانت بجَبْهته، وكان أعدلَ أهلِ زمانه، وأُمُّه أمُّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. وكان يقول عمر بن الخطاب:"إنّ من وُلدِيَ رجلًا بوَجْهه أَثَرُ يَمْلأُ الأرضَ عَدْلًا كما مُلِئتْ جَوْرًا". ولما نَفَحَه حمار برِجْله، فأصاب جَبْهَتَه، وأثرَ فيها، قيل:"هذا أشجُّ بني أُميَّةَ، يملِك ويملأ الأرضَ عدلًا"، فملك بعد سليمانَ بنِ عبد المَلِك سنةَ ست وتسعين، وكانت وِلايتُه سنتَيْن وتسعةَ أشْهُر.
والناقِص هو يزيدُ بن الوَلِيد بن يزيد بن عبد المَلِك بن مروان، وَلِيَ الخلافةَ ستةَ أشهر، أو أقَل، وَلِيَ سنةَ ست وعشرين ومائةٍ، وكان عادلًا، مُتكِرًا للمُنْكَر، وهو الذي قتل ابنَ عمّه الوليدَ، إذ كان مُسْرِفًا على نفسه، وكان يقال له:"الناقِصُ", لأنه نقص من أرْزاقِ الجُنْد، وحط منها. يقال:"نقصتُه فأَنَا ناقِصُهُ، ونَقَصَ الشيءُ فهو ناقِصٌ". يكون متعدّيًا وغيرَ متعدّ.
فالنوع الأول: منهما لا يُثنَّى، ولا يُجمع، ولا يُؤنث؛ لأنّه مقدر بالفعل والمصدر، فإذا قلت:"زيدُ أفضلُ القوم"، كان معناه يزيد فضلُه عليهم، فكل واحد من الفعل والمصدرِ لا يصح تثنيتُه، ولا جمعُه، ولا تأنيثُه، فكذلك ما كان في معناهما، ولذلك لا يدخله ألف ولامُ، قال الله تعالى:{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}(١) فوحّد، وإن كانوا جماعةَ.
وقال بعضهم: إنما لم يُثَن "أفعلُ" ولم يُجمع، ولم يؤنث؛ لأنه مضارعٌ لـ "بَعْض" الذي يقع للتذكير، والتأنيثِ، والواحدِ، والاثنين، والجمع، إذ كان بعضًا لِما أضيف إليه، ولا يكون إلَّا نكرة، كما أن الفعل كذلك، إذ حل محلَّهَ.
وقال الكوفيون: إذا أضيف على معنَى "مِنْ"، فهو نكرة، وهو رأيُ أبي علي، وإذا أضيف على معنى اللام، فهو معرفة. وقال البصريون هو معرفة بالإضافة على كلّ حال إلَّا أن يضاف إلى نكرة.