للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من يُسكِّن النون في الوصل والوقف، فيقول: "أنْ فعلتُ". وهذا ممّا يؤيّد مذهبَ البصريين، وأنّ الألف زائدةٌ لبيانِ الحركة، لوُقوعها موقعَ ما لا شُبْهَةَ في زيادتها، وهي الهاءُ, وسقوطِها في هذه اللغة. وقد حكى الفرّاء: "آنَ فعلتُ"، بقلب الألف إلى موضعِ العين، فإنّ صحّت هذه الروايةُ كان فيها تَقْوِيَةٌ لمَذْهبهم، فهو عند الكَوفيين مبنىٌّ على السكون وهي الألف، وعند البصريين مبنيّ على الفتح، ويحتمِل أنّهم إنّما فتحوه لئلاّ يُشْبِه الأدواتِ.

وأمّا "نَحْنُ" فللمتكلّم إذا كان معه غيرُه، يستوي فيه المذكّرُ والمؤنّث والتثنيةُ والجمع، فتقول: "نحن خارجان"، و"نحن خارجون". وإنّما استوى فيه لفظُ التثنية والجمع لِمَا تقدّم من أن التثنية والجمعَ ههنا ليس على منهاج غيرها من الأسماء الظاهرة؛ لأنّه لم يُرَد ضَمُّ متكلّم إلى متكلم كما كان التثنيةُ ضمَّ اسم إلى اسم. وإنّما المتكلّمُ يتكلّم عن نفسه وغيره، ولم يكن المتكلّم ممّا يُلْبِس بغيره لإدراكه بالحاسّة، فلم يحتج إلى الفصل بين التثنية والجمع، والتأنيث والتذكير.

وحركةُ النون لالتقاء الساكنَيْن، وخُصّت بالضمّ لوجوه: منها أنَّ الصيغة للجمع، والواوُ من علاماتِ الجمع، نحو: "قاموا"، و"الزيدون"، والضمّةُ من جنسِ الواو، فلمّا وجب تحريكُها، حُرّكت بأقربِ الحركات إلى معنى الجمع. وهذا قولُ أبي إسحاق الزَّجّاج. ومنها قولُ أبي العبّاس المبرّد إنّها شُبّهت بـ "قَبْلُ"، و"بَعْدُ"، في الغايات، وذلك من حيث صلحت لاثنين فصاعدًا كما صلحت "قبلُ" و"بعدُ" للشيء والشيئين فما فوقهما، فصارت لذلك غايةٌ كـ"قبلُ" و"بعدُ". ومنها أنْ هذا الضمير مرفوعُ الموضع، فحُرّك بحركةِ المرفوع، وهو قولُ أبي الحسن الأخفش الصغير, وقال قُطْرُبٌ: بُنيت على الضمّ؛ لأنّ أصلها "نَحُن" بضمُ العين، ثُمّ نُقلت الضمّة إلى اللام التي هي النونُ. وكان الذي دعاه إلى هذه المَقالة أنّه رآهم قد يقفون عليه بنقلِ الضمّة إلى الساكن قبله، فيقولون: "نَحُنْ"، كما يقولون: "هذا بَكُرْ"، فادّعى أنّ أصلها ذلك، ثمّ أسكنها تخفيفًا، كما يقولون في "عَضُدٌ": "عَضْدٌ"، وكرِه الساكنين، فنقل حركتَه إلى الساكن قبله الثاني، كما قالوا: "يَرُدُّ"، و"يَفِرُّ"، و"يَعَضُّ"، لمّا أسكنوا للادغام، نقلوا حركتَه إلى الساكن قبله، وهذا لا يستقيم لأنّ النقل من عَوارِض الوقف، فلا يُجعَل أصلاً يُبنَى عليه حُكْمٌ.

وأمّا المخاطب؛ فإثك تفصِل بين مذكّره ومؤنّثه وتثنيته وجمعه بالعلامات؛ لأنّ


= جملة "إن كنت أدري فعليَّ بَدَنَه": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "كنت أدري": جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة "أدري": خبر "كان" محلها النصب. وجملة: "على بدنَه": جواب شرط جازم مقترن بالفاء محلها الجزم. وجملة "من أَنَهْ": في محل شذت مسد مفعولي الفعل "أدري".
والشاهد فيه قوله: أنَّه قد يبيِّنُ فتح "أنا" في الوقف بهاء السكت كما في آخر قافية هذا البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>