للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعريفه دون تعريفِ المتكلّم, لأنّه قد يُلْبِس بأن تُخاطِب واحدًا، ويكون بحَضْرته غيرُه، فيُتوهّمُ انصرافُ الخطاب إلى غيرِ المقصود. وليس كذلك المتكلّم؛ لأنّه إذا تكلّم، لا يشتبِه به غيرُه، فلذلك تقول: "أَنْتَ" إذا خاطبتَ واحدًا. فالاسمُ منه الألفُ والنون عندنا، وهي التي كانت للمتكلّم، زيدت عليها التاء للخطاب، وهي حرفُ معنى مجرَّدٌ من معنى الاسميّة، إذ لو كان اسمًا، لكان له موضعٌ من الإعراب. ولو اعتُقد له موضعٌ من الإعراب، لكان إمّا رفعًا، أو نصبًا، أو جرًّا، فلا يجوز أن يكون مرفوعًا، أو منصوبًا؛ لأنّه لا رافعَ ولا ناصبَ، ولا يجوز أن يكون مخفوضًا, لأنّه مضمرٌ، والمضمراتُ لا تضاف من حيث كانت معرفةٌ. وإذا بطل أن يكون له موضعٌ من الإعراب، بطل أن يكون اسمًا، فليست التاء في "أَنْتَ" كالتاء في "ضربتَ"، كما أن الكاف في "ذلِكَ" و"النَّجاءكَ" ليست كالكاف في "غلامك"، و"صاحبك".

وإذا ثبت أنها حرفٌ، كان حقُّه السكونَ، وإنّما حُرّك لأجلِ الساكن قبله، وخُصّ بالفتحة لخِفّتها كواو العطف وفائه، وهمزة الاستفهام، ونحوهنّ من حروف المعاني، ولتكون حركتُها كالتاء في "ضربتَ"، و"قتلتَ"، حيث كانا جميعًا للخطاب، وإن اختلف حالاهما. وقد ذهب الكوفيون إلى أن التاء من نفسِ الكلمة، والكلمةَ بكَمالها اسمٌ عَمَلاً بالظاهر، والصوابُ ما ذكرناه.

فإنّ خاطبتَ المؤنّث، كسرتَها، فقلت: "أَنْتِ". وذلك لأنّ الفتح لمّا استبَدّ به المذكّرُ، عُدل إلى الكسر, لأنّه أخفُّ من الضمّ، ولأنّ الكسرة من الياء، وهي ممّا يُؤنَّث بها على ما تقدّم قبلُ. فإنّ خاطبت اثنين، قلت: "أنْتُمَا"، فالميم لمجاوَزةِ الواحد، وكانت الميم أَوْلى لشَبَهها بحروفِ المَدّ. وهي من مَخْرَجِ الواو، والواوُ تكون للجمع في "قاموا"، والألفُ للدلالة على التثنية، كما كانت كذلك في "قَامَا"، فإذا الاسمُ منه الهمزةُ والنون، وباقِي الحروف زوائدُ لِما ذكرناه.

وقيل: إنّ الكلمة بكَمالها الاسمُ من غيرِ تفصيل، وهو الصوابُ؛ لأنّ هذه الصيغة دالّة على التثنية، وليست تثنيةٌ صِناعيّة؛ لأنّ حدَّ المثنّى ما تتنكّرُ معرفتُه، والمضمرُ لا يتنكّرُ بحال، فكأنّ صيغته لذلك. ويستوي فيه المذكرُ والمؤنّث كما يستوي في الظاهر، نحو: "الزيدان"، و"العمران" و"الهِنْدان"؛ لأنّ العِدّة واحدةٌ.

فإنّ خاطبتَ جماعةً، قلتَ: "أَنْتُمُو"، وإن شئتَ، قلت: "أَنْتُمْ". وثبوتُ الواو هو الأصلُ؛ لأنّ الواو تكون علامةَ ضميرِ الجمع في الفعل، نحو: "قاموا"؛ ولأنه في مقابلَةِ جمع المؤنّث، نحو: قولك: "ضربتُنَّ". فكما أن علامة المؤنّث حرفان، فكذلك علامةُ الجمع حرفان، ويُؤكد ذلك عندك أنّ الواو تظهَر بعد الميم مع الضمير في "أَعْطَيْتُكُمُوهُ"، والضمائرُ ترُدّ الأشياء إلى أصولها في أكثر الأمر. وحذفُ الواو تخفيفٌ لثِقَلها عند أَمْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>