للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومَزْيَدٌ رجلٌ من بني أسَد كان يتمنّى أن يلقى زيدَ الخيل، فلَقِيَه زيدُ الخيل، فطعنه، فهرب منه. وقوله: "كمُنيَة جابِرٍ". يريد أن مزيدًا تمنى أن يلقاه كما تمنى جابرٌ، وكلاهما لقي منه ما يكرَه. والشاهد في البيت حذفُ النون من "لَيْتِي" ضرورةً، شبّهها بأخواتها، يصف أن مزيدًا تمنى لقاءه، فكان تَمَنيه عليه كمنيةِ جابر.

* * *

قال صاحب الكتاب: وقد فعلوا ذلك في "من", و"عن" و"لدن" و"قط", و"قد" إبقاء عليها من أن تزيل الكسرة سكونها وأما قوله [من الرجز]:

قدني من نصر الخبيبين قدي (١)

فقال سيبويه (٢) لما اضطر شبهه بـ "حسبي", وعن بعض العرب: "مني" و"عني", وهو شاذ. ولم يفعلوه في "علي", و "إليَّ", و"لدي", لأَمنهم الكسرة فيها.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ "مِنْ"، و"عَنْ"، من الحروف المبنية على السكون، و"لَدُن"، و"قَطْ"، و"قَدْ" بمعنَى "حَسْبُ" أسماءٌ مبنيةٌ أيضًا على السكون، ومن الحروف والأسماء ما هو متحرّكٌ بحركةِ بناء، أو إعراب. وياء المتكلّم يكون ما قبلها متحركًا مكسورًا، فكرهوا اتصال الياء بهذه الكِلَم، فتُكسَر أواخرُها لها، فتلتبِس بما هو مبنىٌّ على حركة، أو بما هو معربٌ من الأسماء التي على حرفَيْن من نحو: "يَد"، و"هَن"، فجاؤوا بالنون حِراسة لسكونِ هذه الكلم، وإيثارًا لبَقاء سكونها, لئلاّ يقعوا في باب "لبْس"، فلذلك قالوا: "مِني"، و"عَني"، و"لَدُني"، و"قَطْنِي"، و"قَدْنِي"، فكان لفظُ المجرورَ هنا كلفظ المنصوب.

فأمّا قوله [من الرجز]:

قَدْنِيَ من نَصْرِ الخُبَيْبَيْنِ قَدِي

البيت لأبي بَحْدَلَةَ، وبعده:

ليس الإمامُ بالشحِيحِ المُلْحِدِ

والشاهد فيه حذفُ النون من "قَدِي"، تشبيهًا لها بـ "حَسْبِي"، إذ كان معناهما واحداً، وإثباتُها هو المستعمل، لأنها في البناء ومضارَعةِ الحروف بمنزلة "مِنْ"، و"عَنْ"، فألزموها النونَ قبل الياء، لئلا يُغير آخِرُها عن السكون. والمراد بأبي خُبَيْب عبدُ الله بن الزُّبَيْر، وكان مكنى بابن له اسمُه خبيبٌ، وثناه لأنه أراده ومُصْعبًا. وغلب أبا خبيب لشُهْرته كما قيل: "العُمَران". ومن قال الخُبَيْبِينَ بلفظ الجمع، فإنّه أراد عبد الله وشِيعَتَه. يصف رَغْبَتَه عن عبد الله وأخيه إلى عبد الملك بن مَرْوانَ، وقد جاء عن


(١) تقدم بالرقم: ٣٥٦.
(٢) الكتاب: ٢/ ٣٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>