فإن قيل: فهلَّا كان مما أُضمر على شريطةِ التفسير، ويكون ما بعده من النعت بيَانًا له، كما فُسّر المضمر بالظاهر في قولك:"أَكْرَمَني، وأكرمتُ زيدًا". قيل: لو كان كذلك، لزم نعتُه، ولم يجز أن لا تذكره. ألا تراك تقول:"هذا زيدٌ"، و"رأيتُ هذا"، فلا تأتي له بصفةٍ، إنّما تأتي بها إذا التبس للإيضاح، فلذلك كان القياس أن يكون ظاهرًا.
وقد أشكل أمرُه على قوم، فجعلوه قِسْمًا ثالثًا بين الأسماء الظاهرة والمضمرة؛ لأن له شَبَهًا بالظاهرة، وشبهًا بالمضَمرة. فمن حيث كانت مبنيّة، ولم يُفارِقها تعريفُ الإشارة، كانت كالمضمرة، ومن حيث صُغرت، ووُصفت، ووُصف بها، كانت كالظاهرة.
وذهب الكوفيون (١) إلى أن الاسم إنما هو الذالُ وحدها، والألف مزيدةٌ لتكثيرِ الكلمة، قالوا: والدليلُ على ذلك قولُهم في التثنية: "ذَانِ"، و"ذَيْنِ"، فحذفوا الألف لقيام حرف التثنية مقامَها في التكثير. وهذا فاسدٌ لقولهم في التحقير:"ذَيَّا"، فأعادوه إلىَ أصله، وهذا شأنُ التصغير. وأما ذَهابُ ألفه في التثنية، فلم يكن لِما ذكروه من الاستغناء عنه بحرف التثنية، إنّما حذفُه لالتقائه مع حرف التثنية، فحُذف لالتقاء الساكنين. ولم يقلبوه كما قلبوه في "رَحَيان"، لبُعده من التمكن، وعدمِ تصرُّفه.
فإن قيل: الزيادة في حال التصغير لا تدل على أن ذلك أصل فيها، فإنّا لو سمّينا بـ "قَدْ" أو"هَلْ" ونحوهما مما هو على حرفَيْن، ثم صغرناه، لزِدْنا فيه ما لم يكن له، فكذلك اسمُ الإشارة لما كان على حرفَيْن، وصغرناه، زدنا فيه زيادةً، كمّلتْ له بناء التصغير. قيلٍ: نحن إذا سمّينا بـ "قَدْ" وأشباهِه، فإنّا ننقُله من الحرف إلى الاسم، فإذا صغرناه، فإنّما نُصغره على أنَّه اسمٌ، فوجب أن نجتلِب له حرفاً، يوجِبه الاسميةُ. وإذا صغّرنا "ذا" ونحوَه من أسماء الإشارة، فإنّما نصغره، وهو على معناه من الاسمية الذي وُضع له، على أنه لو ذهب ذاهبٌ إلى أن "ذا" ثُنائيُّ، وليس له أصل في الثلاثية، نحوَ:"مَنْ"، و"كَمْ" في المبهمة، وأنّ ألفه أصل كالألف في "لَدى" و"إذا"، لم أَرَ به بأسًا لعدم اشتقاقه، وبُعْدِه عن التصرّف.
والذي يُؤيد ذلك أنك لو سمّيت بـ "ذا"، لقلت:"هذا "ذاءٌ"، فتزيدها ألفاً أخرى، ثم تقلِبها همزةً لاجتماعِ الألفَيْن، كما تقول: "لاءٌ"، إذا سمّيت بـ "لا". ولو كان أصلُها الثلاثية، ولامُها ياء، لكنت تقول إذا سمّيت به: "هذا ذايٌ"، فتأتي بالياء الأصلية، ولا تقلبها لوقوعها بعد ألفِ أصليلة، كما تقول: "زايٌ"، و"رايٌ". فأمّا الإِمالة، فإنّما ساغت فيه؛ لأن الألف قد تنقلب ياء في "ذِي"، فإذا ثنيتَه، قلت: "ذَانِ" في الرفع. وهذه الألفُ علامةُ الرفع، وقد انحذفت ألفُ الأصل لالتقاء الساكنين، دل على ذلك انقلابُها في النصب والجرّ من نحو: "رأيت ذَيْنِ"، و"مررت بذَيْن".
(١) انظر المسألة الخامسة والتسعين في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصرين والكوفيين". ص ٦٦٩ - ٦٧٧.