وقد اختلف النحويون في هذه التثنية، فذهب قومٌ إلى أنّها تثنيةٌ صِناعيّةٌ، والنونُ عوضٌ من الحركة والتنوين، كما كانت في قولك:"الزيدان"، و"العمران" كذلك، وإن كان الواحدُ مبنيًّا لا حركةَ ولا تنوينَ فيه؛ لأنه بالتثنية فَارَقَ الحرفَ، وعاد إلى حكم التمكن، فقُدّر فيه في التثنية الحركةُ والتنوينُ، فصارت النونُ عوضًا منهما.
وقال آخرون: إن النون في "هذَانِ"، و"هذَيْن" عوضٌ من الألف الأصليّة حين حُذفت في التثنية لالتقاء الساكنين.
وذهب آخرون إلى أنها ليست تثنيةً صناعيّةً، وإنما هي صيغةٌ للتثنية، كما صيغت "اللَّذَانِ"، و"اللَّتَانِ" للتثنية، وليست النونُ عوضًا من الحركة والتنوين، ولا عوضًا من الحرف المحذوف، وذلك أن أسماء الإشارة لا تصح تثنيةُ شيء منها، من قِبَل أنّ التثنية إنما تأتي في النكرات، وأسماء الإشارة لا يصح تنكيرُها بحالٍ، فلا يصحّ أن يُثنى شيءٌ منها. وهو الصوابُ. ألا ترى أن حال أسماء الإشارة بعد التثنية على حد ما كانت عليه قبل التثنية، وذلك نحو قولك:"هذان الزيدان قائمَيْن"، فتنصب "قائمين" على الحال، بمعنى الفعل الذي دل عليه الإشارة والتنبيهُ، كما كنتَ تنصب في الواحد، نحو:"هذا زيد قائمًا"، فتجد الحالَ واحدة قبل التثنية وبعدها. فإذًا طريقُ "هذان"، و"هاتان" غيرُ طريقِ "الزيدان"، و"العمران". ألا ترى أن تعريفَ "زيد"، و"عمرو" بالوضع والعَلَميّةِ، فإذا ثنّيت واحدًا منهما، تنكر حتى صار كأسماءِ الأجناس الشائعة، فتقول:"هذان زيدان ظريفان"، و"رأيت زيدَيْن ظريفَيْن". فلو لم يكونا نكرتَيْن، لما صح وصفُهما بالنكرة. فإذا أردت بعد ذلك التعريفَ، فبالألف واللام، أو بالإضافة. فتعريفُهما بعد التثنية من غير وجه التعريف قبلها.
وإذ امتنع تثنيةُ الأسماء المشار بها لامتناع تنكيرها، كان قولهم:"هذان"، و"هاتان"، و"هذيْن"، و"هاتَين"، صيغًا موضوعة للتثنية مخترعة لها. وليست تضُمّ هذا إلى هذا كما ضممتَ "زيداً" إلى "زيد" حين قلت: "الزيدان"، إلَّا أنهم جاؤوا بها على منهاجِ التثنية الحقيقية، فقالوا:"هذان" و"هذَين"، لئلا يختلف طريقُ التثنية. ونظيرُ ذلك الأسماء المضمرةُ، نحو قولك:"أنتَ" و"أنْتُمَا"، و"هُوَ"، و"هما" في أنّها صيغٌ صيغتْ للتثنية، وأسماء مخترعة لها, وليست تثنية صِناعيةً.
فإن قيل: فإذا كان "هذان"، و"هاتان" صيغا للتثنية كـ"هُمَا" و"أَنْتُمَا" في المضمرات، فهلّا قالوا في "أنت": "أنتان"، وفي "هُوَ": "هُوان"، كما قالوا في "هذا"، و"هاتا": "هذان"، و"هاتان". قيل: أسماء الإشارة أشد شَبَهًا بالمتمكّنة من المضمرة، ألا تراهم يصفون أسماءَ الإشارة، ويصفون بها، فيقولون:"مررت بهذا الرجل"، و"مررت بزيدٍ هذا؟ " فلمّا قاربت أسماءُ الإشارة المتمكنةَ هذه المقارَبةَ، ودانتْها هذه المُداناةَ، صيغت في التثنية على منهاج تثنيةِ الأسماء المتكنة، ولذلك أُعربت التثنية، وإن كان