للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقبلَه:

حَلَفْتُ بِهَدي مُشْعَر بَكَراتُهُ ... تَخُبُّ بصَحراءِ الغَبِيطِ دَرادِقُهْ

فالبيت لعَارِق الطائي، وعارقٌ لقبٌ غلب عليه، لُقِّب بذلك لقوله في آخِرِ البيت: "ذُو أنا عارِقُهْ". واسمُه قَيْس بن جِرْوَةَ بن سَيْف بن مالِك بن عمرو بن أبان. ويُروى: "لَئن لم يُغيرْ"، ويروى: "لأنْتَحِيَن العَظْمَ". والشاهد فيه جعلُ "ذُو" بمعنَى "الذِي" ووصلُها بالمبتدأ والخبر. وقولُه: "لَئِنْ" فيما بين القَسَم والمُقسَم عليه تَوْطئةٌ للقسم، وجوابُ القسم "لأنتحين للعظم". يقول: آلَيْتُ إن لم تُغير بعضَ صَنِيعك، لأقصِدن في مُقابَلته كَسرَ العَظم الذي صرتُ أعْرُقُه، أي: أنتزعُ اللحمَ منه. جعل شَكْواه كالعَرْق، وجعل ما بعده إن لم يُغير مُعامَلتَه تأثيرًا في العَظم نفسِه. وهذا وَعِيدٌ.

وذهب بعضهم إلى أنك تقول في المؤنث: "ذاتُ قالت ذاك"، وفي التثنية، والجمع، ويكون مضمومًا في كل حال. وحُكي أنّه يجوز أن تقول في جماعةِ المؤنث: "ذَواتُ قلن"، وفي ذلك دلالةُ أنه منقول من "ذِي" التي بمعنَى "صاحب". والفرق بين "ذُو" التي بمعنَى "الذِي" على لغةِ طيِّئ وبين "ذُو" التي بمعنَى صاحب من وجوه:

منها أن "ذُو" في لغةِ طيىء توصَل بالفعل، ولا يجوز ذلك في "ذُو" التي بمعنى "صاحب".

ومنها أن "ذُو" في مذهبِ طيىء لا يوصَف بها إلَّا المعرفةُ، والتي بمعنَى "صاحب" يوصف بها المعرفة والنكرة. إن أضفتَها إلى نكرة، وصفت بها النكرة، وإن أضفتها إلى معرفة، صارت معرفة، ووصفت بها المعرفة، وليست "ذُو" التي بمعنَى "الذِي" كذلك؛ لأنها مُعرَّفةٌ بالصلة على حد تعريفِ "مَن"، و"مَا". ومنها أن التي في لغةِ طيىء لا يجوز فيها "ذَا" ولا "ذِي"، ولا تكون إلَّا بالواو، تقول: "مررت بالرجل ذُو قال"، أي: "الذي قال"، و"رأيت الرجلَ ذُو قال"، وليس كذلك التي بمعنَى "صاحب"، فاعرفه.

فأمّا "ذَا" من قولك: "مَاذَا صنعتَ" فهي على وجهَينَ:

أحدُهما: أن تكون "مَا" استفهامًا، وهي اسم تام مرفوعُ الموضع بالابتداء، و"ذَا" خبرُه، وهي بمعنَى "الذي"، وما بعده من الفعل والفاعل صلتُه، والعائدُ محذوف، والتقديرُ: صنعتَهُ.

والوجه الثاني: أن تجعل "مَا"، و"ذَا" جميعًا بمنزلةِ "مَا" وحدَها، وتكون قد ركّبت من كلمتَين كلمة واحدةَ، نحوَ: "إنمَا"، و"حَيْثُمَا" ونحوِهما من المركبة، وتكون "مَا" مع "ذَا" في موضعِ نصب بـ "صَنَعْتَ"، ويكون جوابُ الأول مرفوعًا، وجواب الثاني منصوبًا؛ لأن الجواب بدلٌ من السؤال. قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (١)، قرئ


(١) البقرة: ٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>