ليسمع الباقون كلامه، ويروا شَخْصَه الكريم -صلى الله عليه وسلم- (وَجَعَلَ) أي: شَرَع -صلى الله عليه وسلم- (يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ) أي: من الأحكام الشرعيّة التي يجهلها هو (ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ) أي: محلّ خطبته، وهو المنبر المعروف (فَأَتَمَّ آخِرَهَا).
أي: أتمّ الخطبة التي بدأ بها، قال القرطبيّ: أي: لَمّا فرغ من تعليم الرجل رجع إلى أسلوب خطبته المتقدّم، لا يقال: إن هذا الفعل منه -صلى الله عليه وسلم- قطعٌ للخطبة؛ لِمَا قرّرناه من أن تعليم العلم، والأمر، والنهي في الخطبة لا يكون قاطعًا للخطبة، والجمهور على أن الكلام في الخطبة لأمر يحدُث لا يفسدها، وحَكَى الخطّابيّ عن بعض العلماء أن الخطيب إذا تكلّم في الخطبة أعادها. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا القول الذي عزاه الخطّابيّ لبعض العلماء من إعادة الخطبة بسبب الكلام قول ضعيف، منابذ للسنّة الصحيحة، كحديث الباب، وحديث قصّة سُليك الغطفانيّ -رضي الله عنه- المذكور في الباب الماضي، حيث قال له -صلى الله عليه وسلم- عن ركعتي تحية المسجد، وأمره بهما، إلى غير ذلك.
وكذا قول النوويّ في "شرحه" ٦/ ١٦٤: يَحْتَمِل أن تكون هذه الخطبة التي كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فيها خطبة أمر غير الجمعة، ولهذا قطعها بهذا الفصل الطويل، ويَحْتَمِل أنها كانت الجمعة، واستأنفها، ويَحْتَمِل أنه لم يحصل فصل طويل، ويَحْتَمِل أن كلامه لهذا الغريب كان متعلّقًا بالخطبة، فيكون منها، ولا يضرّ المشي في أثنائها. انتهى.
فكلّ هذه الاحتمالات مما لا ينبني على دليل، فأين النصّ، أو الإجماع الذي يمنع الخطيب للجمعة من الكلام للحاجة، مثل التعليم، أو غيره؟ ومن أين اشتراط عدم الفصل أثناء الخطبة بكلام ونحوه؟ ومن الغريب قوله:"واستأنفها" مع أن نصّ "صحيح مسلم": "فأتمّ آخرها"، إن هذا لشيء عُجاب!، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.