للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و"سورة الجمعة" وغيرها في ذلك سواءٌ، وَيكرَهون أن يؤقت في ذلك شيء من القرآن بعينه.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه خلاف السنّة الصحيحة، فلا يُلتَفت إليه، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد.

قال أبو محمد بن حزم رحمهُ اللهُ: وقال أبو حنيفة: يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ يَلْتَزِمُ في الْجُمُعَةِ أو غَيْرِهَا سُورَةً بِعَيْنِهَا، أو سُوَرًا بِعَيْنِهَا، قال: كَرِهَ السُّنَّةَ، وَخَالَفَ فِعْلَ رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَذَلِكَ من كَرِهَ شيئًا مِمَّا صَحَّ أَنَّهُ عليه السَّلام فَعَلَهُ. انتهى (١).

وقد ذكر أبو بكر بن أبي شيبة رحمهُ اللهُ قول أبي حنيفة هذا في "كتاب الردّ على أبي حنيفة" من "مصنّفه" فقال: هذا ما خالف فيه أبو حنيفة الأثر الذي جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٢).

وقال الثوريّ: لا يَعْتَمِد أن يقرأ في الجمعة بالسور التي جاءت في الأحاديث، ولكنه يتعمدها أحيانًا، ويدعها أحيانًا. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: ما ذهب إليه الثوريّ أيضًا من جنس ما قبله، كيف لا يُعْتَمَد ما صحّ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يفعله؟، إن هذا لهو العجب العُجاب.

وبالجملة فهذا قولٌ مخالف للسنّة الصحيحة الصريحة، فلا ينبغي الالتفات إليه.

والحاصل أن الحقّ والصواب أنه يُستحبّ للإمام أن يقرأ في صلاة الجمعة بسورتي الجمعة، والمنافقون، وأحيانًا بسورتي الأعلى والغاشية؟ اقتداء بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقد سبق عن مالك، والشافعيّ، وداود -رحمهم الله تعالى- أنهم قالوا: لا يترك قراءة "سورة الجمعة" في الركعة الأولى على كل حالٍ، فإن لم يقرأها لم تفسد صلاته، وقد أساء، وترك ما يُستَحَبّ له، وهذا هو الحقّ الذي لا مرية فيه، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) "المحلى" ٤/ ١٠٧.
(٢) راجع: "المصنّف" ٧/ ٣١٩.