وأما صاحب "الهداية" منهم فذكر أن علة الكراهة هجران الباقي، وإيهام التفضيل، وقول الطحاوي يناسب قول صاحب "المحيط"، فإنه خص الكراهة بمن يراه حتمًا، لا يجزئ غيره، أو يرى القراءة بغيره مكروهة. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما تقدم في كلام ابن دقيق العيد، وأشار إليه ابن العربي، رحمهما الله تعالى هو الراجح عندي، فتستحب المداومة على هاتين السورتين في صلاة فجر يوم الجمعة، لكن إن خُشِي على العوامّ اعتقاد وجوب ذلك فينبّهون بالقول، أو بالترك أحيانًا، دفعًا للمفسدة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[فائدتان]: ذكرهما الحافظ في "الفتح"، فقال:
(الأولى): لم أر في شيء من الطرق التصريح بأنه -صلى الله عليه وسلم- سجد لمّا قرأ سورة "تنزيل السجدة" في هذا المحلّ إلا في "كتاب الشريعة" لابن أبي داود من طريق أخرى عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال:"غدوت على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة في صلاة الفجر، فقرأ سورة فيها سجدة، فسجد … " الحديث، وفي إسناده من ينظر في حاله.
وللطبراني في "الصغير" من حديث عليّ -رضي الله عنه-: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سجد في صلاة الصبح في "تنزيل السجدة"، لكن إسناده ضعيف، والله تعالى أعلم.
(الثانية): قيل: الحكمة في اختصاص يوم الجمعة بقراءة سورة السجدة، قصد السجود الزائد حتى إنه يستحب لمن لم يقرأ هذه السورة بعينها أن يقرأ سورة غيرها، فيها سجدة، وقد عاب ذلك على فاعله غير واحد من العلماء، ونسبهم صاحب الهدي إلى قلة علم، ونقص المعرفة، لكن عند ابن أبي شيبة بإسناد قويّ عن إبراهيم النخعيّ أنه قال: يستحب أن يقرأ في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة، وعنده من طريقه أيضًا أنه فعل ذلك، فقرأ سورة مريم، ومن طريق ابن عون قال: كانوا يقرؤون في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة، وعنده من طريقه أيضًا، قال: وسألت محمدًا -يعني: ابن سيرين- عنه؟ فقال: لا أعلم به بأسًا. انتهى.