بالمدينة صلى الجمعة، ثم رجع إلى بيته، فصلى ركعتين، ولم يصلّ في المسجد، فقيل له؟ فقال:"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك".
قال الحافظ العراقيّ رحمهُ اللهُ في "شرح الترمذيّ": والظاهر أن المرفوع منه آخر الحديث فقط، وهو ما كان يفعله بالمدينة، دون ما كان يفعله بمكة، فإن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يصحّ أنه صلى الجمعة بمكة، وكان ابن عمر في زمنه بمكة قبل الهجرة صغيرًا، فإن أريد رفع فعله بمكة أيضًا، وهو بعيد، فيَحْتَمِل أنه رآه يصلي بمكة بعد الظهر في المسجد، أوأنه صلى الجمعة بمكة بعد الفتح، ولم يُنقل ذلك.
ثم قال بعد ذلك: قد يُسأل عن الحكمة في كون ابن عمر كان يصليها بمكة في المسجد، وفي المدينة بمنزلة.
وقد يجاب بأنه لعله كان يريد التأخر في مسجد مكة للطواف بالبيت، فيكره أن يفوته بمضيه إلى منزلة لصلاة سنة الجمعة زمن مما يغتنمه في الطواف، أوأنه يشقّ عليه الذهاب إلى منزلة، ثم الرجوع إلى المسجد للطواف، أوأنه كان يرى النوافل تضاعف بمسجد مكة، دون بقية مكة، فكان يتنفّل في المسجد لذلك، أو كان له أمر يتعلّق به في المسجد من الاجتماع بأحد، أو غير ذلك مما يقتضي أولوية صلاته في المسجد. انتهى.
قال ولي الدين رحمهُ اللهُ: وهو مبنيّ على ما ذكره أوّلًا من أن المرفوع آخر الحديث فقط.
لكن ظاهر اللفظ أن تفريق ابن عمر بين البلدين في ذلك فعله لمجرّد الاتباع، والله أعلم.
وقال ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ: قال أبو حنيفة: يصلي بعد الجمعة أربعًا، وقال في موضع آخر: ستًّا، وقال الثوريّ: إن صليت أربعًا، أو ستًّا، فحسن. وقال الحسن بن حيّ: يصلي أربعًا، وقال أحمد بن حنبل: أحبّ إليّ أن يصلي بعد الجمعة ستًّا، وإن صلى أربعًا فحسن، لا بأس به.
قال ابن عبد البرّ: وكل هذه الأقوال مروية عن الصحابة، قولًا، وعملًا، ولا خلاف بين العلماء أن ذلك على الاختيار.