(والوجه الثاني): أن الظاهر أن المراد بالمرفوع منه صلاة ركعتين بعدها في بيته على وفق حديثه المتَّفَق عليه في "الصحيحين"، فأما إطالة الصلاة قبلها، فلم يُنقل عنه فعله؛ لأنه كان يخرج إلى صلاة الجمعة، فيؤذن بين يديه، ثم يخطب. انتهى.
واستدلوا أيضا بما ثبت في "الصحيحين" عن عبد الله بن مغفّل -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "بين كلّ أذانين صلاة".
قال العراقيّ رحمهُ اللهُ: ولقائل أن يعترض على الاستدلال به بأن ذلك كان متعذِّرًا في حياته -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه كان بين الأذان والإقامة الخطبة، فلا صلاة حينئذ بينهما، نعم بعد أن جَدَّد عثمان الأذان على الزوراء يمكن أن يصلي سنة الجمعة قبل خروج الإمام للخطبة، والله تعالى أعلم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في هذا الكلام نظر لا يخفى؛ إذ الكلام في مشروعية سنة الجمعة القبلية، هل لها دليل تثبت به من قوله -صلى الله عليه وسلم-، أو فعله، أم لا؟، لا عما أحدث بعده -صلى الله عليه وسلم-، وأيضا الثابت عن عثمان -رضي الله عنه- هو الأمر بالأذان، ولم يثبت عنه أنه أمر بسنة الجمعة القبليّة. فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم.
واستدلوا أيضًا بما رواه ابن حبان في "صحيحه"، والدارقطني في "سننه"، وغيرهما عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من صلاة مفروضة، إلا وبين يديها ركعتان"، وهذا يتناول الجمعة وغيرها.
لكن يُضَعَّفُ الاستدلالُ به من جهة أنه عموم يقبل التخصيص، فيقدّم عليه ما هو الظاهر من حال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة أنهم لم يكونوا يفعلون ذلك.
قال العراقيّ رحمهُ اللهُ: واستَدَلّ بعضهم بحديث عبد الله السائب، وأبي أيوب الأنصاريّ، وثوبان -رضي الله عنهم- في صلاة أربع ركعات بعد الزوال، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء".
ولقائل أن يقول: هذه سنة الزوال، ففي حديث عليّ -رضي الله عنه- أنه كان يصلي بعدها أربعًا قبل الظهر.
وقد يجاب عنه بأنه حصل في الجملة استحباب أربع بعد الزوال كل يوم، سواء الجمعة وغيرها، وهو المقصود. انتهى.