قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الجواب عن هذا كالجواب عن سابقه، فيقال: هذا عامّ خُصّ منه يوم الجمعة بما ثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه -رضي الله عنهم- أنهم ما كانوا يصلون قبل الجمعة، كما تقدم، والله تعالى أعلم.
وقال ولي الدين رحمهُ اللهُ: وهذه الأمور التي استُدِلّ بها على سنة الجمعة قبلها وإن كان في كلّ منها على انفراده نظرٌ، فمجموعها قويّ يضعف معه إنكارها.
وأقوى ما يُعارض ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يؤذن في زمنه يوم الجمعة غير أذان واحد في أول الوقت، وهو على المنبر، وذلك الأذان يعقبه الخطبة، ثم الصلاة، فلا يمكن مع ذلك أن يفعلها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا أحد من أصحابه.
وبالجملة فالمسألة مشكلة. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في كلام ولي الدين رحمهُ اللهُ هذا نظر لا يخفى.
أما قوله:"فمجموعها قويّ يضعف معه إنكارها"، فقد كفانا الجواب عنه هو بنفسه، حيث قال: وأقوى ما يعارِضُ ذلك … إلخ، فأيّ قوة من هذه الأمور المعترَضَة بما سبق مع هذا الصريح الصحيح الثابت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه -رضي الله عنهم-، أنهم ما كانوا يصلون سنة الجمعة القبلية المزعومة؟.
وكيف لا يُنكَر على من ادَّعَى شرعية ما لم يَشْرَعه الله تعالى على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ولا ثبت من فعله، ولا فُعل بمحضره -صلى الله عليه وسلم-؟ أليس هذا هو الابتداع الذي ينبغي إنكاره؟ إن هذا لشيء عجيب!!.
وأما قوله:"وبالجملة فالمسألة مشكلة"، فجوابه أنه لا إشكال -بحمد الله تعالى- في هذه المسألة عند من لم يُعْمِه التقليد، والتقيُّد برأي فلان، أو فلان، والتجمّد عليه؛ إذ حكمها واضح وضوحَ الشمس في رائعة النهار؛ إذ مَن ادَّعى سنية قبلية الجمعة ما أتى بدليل يُستند إليه، إلا القياس على الظهر، فهذا أقوى دليل عندهم، كما تقدم في كلام النوويّ رحمهُ اللهُ، وأما مستندهم من الأحاديث، فقد عرفت ضعفها فيما سبق، وقد صحّ لدينا أنه -صلى الله عليه وسلم- ما صلى قبلية الجمعة، ولا أمر بها، ولا فعلها أصحابه بحضرته، بل كان يؤذن بين يديه -صلى الله عليه وسلم-،