وبالجملة فمسألتنا واضحة لا إشكال فيها، ولله الحمد والمنة.
والحاصل أن قبلية الجمعة مما لا أثارة عليه من علم، بل هي من الأمور المحدثة التي ينبغي إنكارها.
ومن أغرب ما نراه ممن لا يبالي بالسنة أن كثيرًا منهم يواظب على صلاة ركعتين، أو أربع بزعم أنها سنة قبلية للجمعة، ولا يترك ذلك، ولو رأى الإمام جالسًا على المنبر، أو شارعًا في الخطبة، ثم يتساهل فيما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من قوله:"إذا صلى أحدكم الجمعة، فليصلّ بعدها أربعًا"، فلا يلتفت لهذا الأمر، بل إن صلى يصلي ركعتين فقط، أو يترك الصلاة بالكلية يذهب لحاجته، وهذا هو نتيجة التساهل في التمسك بالسنة، ومن تقديم البدعة عليها، نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الحرمان والخذلان. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيهان]:
(الأول): أنه ينبغي أن يُتنبه إلى شيء مُهمّ جدًّا، وهو أن إنكار الصلاة قبل الجمعة إنما هو لمن يعتقد أنها سنة قبلية ثابتة كسنة الظهر، وأما مطلق الصلاة لمن حضر قبل حضور الإمام، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة.
فقد تقدّم للمصنّف من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قال:"من اغتسل يوم الجمعة، ثم أتى الجمعة، فصلى ما قُدّر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته، ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام".
فينبغي أن يَشتغل من أتى إلى الجمعة بالصلاة إلى أن يجلس الإمام على المنبر؛ لينال هذا الفضل العظيم.
وكذا من دخل المسجد بعد خروج الإمام، ولو في حال الخطبة يستحب له أن يصلي ركعتين خفيفتين كما تقدم في حديث:"إذا جاء أحدكم، وقد خرج الإمام، فليصلّ ركعتين"، وفي لفظ:"إذا جاء أحدكم الجمعة، والإمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوّز فيهما".