(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) -رضي الله عنهما- أنه (قَالَ: شَهِدْتُ) أي: حضرت (مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلَاةَ) منصوب على المفعوليّة و"شهِدت"، وقوله:(يَوْمَ الْعِيدِ) منصوب على الظرفيّة له (فَبَدَأَ) بالهمزة؛ لأنه بمعنى ابتدأ، وأما بدا بمعنى ظهر، فغير مهموز، ولا يناسب هنا (بالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ) فيه تقديم الصلاة على الخطبة، فلو بدأ بالخطبة، فقد أسَاء، قال ابن الملقّن: وفي احتسابها احتمال لإمام الحرمين. انتهى. (بِغَيْرِ أَذَانٍ، وَلَا إِقَامَةٍ) فيه عدم الأذان والإقامة لصلاة العيد، وهو مجمع عليه اليوم، وهو المعروف من فعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وخلفائه الراشدين، ونُقل عن بعض السلف فيه شيء خلاف إجماع من قبله ومن بعده، وسيأتي تمام البحث فيه في الباب التالي -إن شاء الله تعالى- (ثُمَّ قَامَ) -صلى الله عليه وسلم- (مُتَوَكِّئًا عَلَى بلَالٍ) التوكّؤ: التحامل، والمراد هنا: الميل في قيامه متحاملًا على بلال -رضي الله عنه-، فيؤخذ منه القيام في الخطبة، والتوكؤ على شيء، ولو على آدميّ، ولا يتعيّن القوس والعصا، كما قاله الفقهاء، وجواز استعانة العالم بمن يخدُمُهُ (١). (فَاَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ)"التقوى" أصلها وَقْوَى؛ لأنها من وَقَى يَقِي، فأُبدلت الواو تاءً كما ابدلت في تُراب، وتُخمة، والأصل وُرابٌ، ووُخمة، فكأن المتّقي يجعل بينه وبين النار وِقَايةً، قالوا: هي عبارة عن امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه (وَحَثَّ) أي: حرّض وحرص (عَلَى طَاعَتِهِ) هي الانقياد للأوامر، وأصلها طوعة؛ لأنها من طاع يطوع: إذا انقاد، فقُلبت الواو ألفًا؛ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، والحثّ على الطاعة يكون بأمرين: الأول بالترغيب في الجزاء عليها، والثاني بالترهيب من تركها بفوات ثوابها، وترتّب العقاب عليه (وَوَعَظَ النَّاسَ) الوعظ: هو الأمر، ومنه قوله تعالى:{لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ}[الأعراف: ١٦٤] أي: تأمرون، وقوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَة}[سبأ: ٤٦]؛ أي: آمركم، وهو النصح أيضًا، والتذكير بالعواقب (وَذَكَّرَهُمْ) التذكير يكون بالنعم، ودفع النقم، واستحقاق الله سبحانه وتعالى الطاعةَ والتنزيهَ، والتحميدَ، والتوحيدَ، والشكرَ على ذلك كلّه، وعلى التوفيق له.