للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن دقيق العيد رحمهُ اللهُ: وهذه المقاصد التي ذَكَرَها الراوي من الأمر بتقوى الله، والحثّ على طاعته، والموعظة، والتذكير، هي مقاصد الخطبة، وقد عَدَّ بعض الفقهاء من أركان الخطبة الواجبة الأمرَ بتقوى الله، وبعضهم جَعَل الواجب ما يسمى خطبة عند العرب، وما يتأدى به الواجب في الخطبة الواجبة تتأدى به السنة في الخطبة المسنونة. انتهى (١).

(ثُمَّ مَضَى) النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ) هذا ظاهر في أن إتيانه -صلى الله عليه وسلم- إلى النساء كان بعد فراغه من الخطبة، لا في أثنائها، كما زعم ذلك القاضي عياض، وقد تقدّم تعقّبه (فَوَعَظَهُنَّ، وَذَكَّرَهُنَّ، فَقَالَ: "تَصَدَّقْنَ، فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ) أي: أكثر جنس النساء، لا أكثر المخاطبات (حَطَبُ جَهَنَّمَ") أي: وقودها، قال في "القاموس": الْحَطَبُ محرّكةً: ما أُعدّ من الشجر شَبُوبًا، وقال أيضًا: الشَّبُوب -أي بالفتح-: ما تُوقَد به النار. انتهى. (فَقَامَتِ امْرَأَةٌ) قال صاحب "التنبيه": لا أعرفها (٢). (مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ) بكسر السين المهملة، وفتح الطاء المخفّفة، وأصل هذه اللفظة من الوسط الذي هو الخيار، أو المعنى أنها جالسة في وسطهنّ.

قال النوويّ رحمهُ اللهُ: هكذا هو في النسخ: "سِطَة النساء" بكسر السين، وفتح الطاء المخففة، وفي بعض النسخ: "واسطة النساء"، قال القاضي عياض: معناه: من خيارهنّ، والوسط: العدل والخيار، قال: وزعم حُذّاق شيوخنا أن هذا الحرف مُغَيَّر في كتاب مسلم، وأن صوابه: من سَفِلَة النساء (٣)، وكذا رواه ابن أبي شيبة في "مسنده"، والنسائيّ في "سننه"، وفي رواية لابن أبي شيبة: "امرأة ليست من عِلّيّة النساء"، وهذا ضِدّ التفسير الأول، ويَعْضِده قوله بعده: "سَفْعَاءُ الخدين"، هذا كلام القاضي.

قال النوويّ: وهذا الذي ادَّعَوه من تغيير الكلمة غير مقبول، بل هي صحيحة، وليس المراد بها: من خيار النساء، كما فسره، هو بل المراد: امرأة


(١) "إحكام الأحكام" ٢/ ١٣٠.
(٢) "تنبيه المعلم بمبهمات صحيح مسلم" (ص ١٦٩).
(٣) "السَّفِلَةُ": بفتح السين، وكسر الفاء: الساقطة من الناس.