للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن الملقّن رحمهُ اللهُ: ألف الشكوى منقلبة عن واو؛ كالصلاة، والزكاة، والشكاة، والشكاية بمعنى واحد؛ أي: تَكْتُمن الإحسانَ، وتظهرن الشكوى، ولا شكّ أن الشكاية في الأصل جائزة إذا اضطرّ إليها، فإذا أُكثر منها دلّ ذلك على عدم الرضا بقضاء الله تعالى، فاقتضى دخول النار (١).

وقال ابن دقيق العيد رحمهُ اللهُ: وتعليله -صلى الله عليه وسلم- بالشَّكاة، وكفران العشير، دليل على تحريم كفران النعمة؛ لأنه جعله سببًا لدخول النار، وهذا السبب في الشكاية يجوز أن يكون راجعًا إلى ما يتعلق بالزوج، وجحد حقِّه، ويجوز أن يكون راجعًا إلى ما يتعلق بالله تعالى، من عدم شكره، والاستكانة لقضائه، وإذا كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد ذكر ذلك في حقّ مَن هذا ذنبه، فكيف بمن له منهنّ ذنوب أكثرُ من ذلك، كترك الصلاة، والقذف. انتهى (٢).

وقال الفاكهيّ: والأول أظهر؛ لأن الشكاية من الله تعالى لا يختصّ بالنساء، وقال الحلبيّ: ويؤيّده أنه قرنه بقوله: "وتكفرن العشير". انتهى (٣).

(وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ") قال أهل اللغة: يقال: العشير: هو المعاشر، والمخالط، وحمله الأكثرون هنا على الزوج، وقال آخرون: هو كلُّ مخالط، قال الخليل: يقال هو العَشِير والشَّعِير على القلب، ومعنى الحديث: أنهن يَجْحَدن الإحسان؛ لضعف عقلهنّ، وقلة معرفتهنّ، فيُستدلُّ به على ذمّ مَن يجحد إحسان ذي إحسان، قاله النوويّ رحمهُ اللهُ (٤).

وقال في "الفتح": الْعَشِيرُ: فَعِيل بمعنى مُعاشر، مثل أَكِيل بمعنى مؤاكل؛ أي: تجحدن حقّ الخليط، وهو الزوج، أوأعمّ من ذلك. انتهى.

وقال في "الإعلام": معنى العشير عند الأكثرين: الزوج، وهو معدول عن اسم الفاعل للمبالغة، وقيل: هو كلُّ مخالط، وقد أحسن الحريريّ رحمهُ اللهُ حيث قال في "مقاماته": وَأَفِي العشير، وإن لم يواف بالعشير، أراد بالأول المعاشر، وبالثاني الْعُشْر، فإنه يقال: عُشْر وعَشِير، ومِعْشَار بمعنى.


(١) "الإعلام" ٤/ ٢٣٦.
(٢) "إحكام الأحكام" ٢/ ١٣١.
(٣) "العدّة حاشية العمدة" ٣/ ١٧٣ - ١٧٤.
(٤) "شرح النوويّ" ٦/ ١٧٥ - ١٧٦.