للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والابتداء بما بعدها، وحتى قال جماعة منهم: متى سمعت "كلا" في سورة، فاحكم بأنها مكية؛ لأن فيها معنى التهديد والوعيد، وأكثر ما نزل ذلك بمكة؛ لأن أكثر العتوّ كان بها، ذكره ابن هشام في "المغني"، وله فيه تعقّب على ما ذُكر، وتفصيل للمسألة، فراجعه (١).

والمعنى هنا: ارتدع، وانزجر عما زعمته؛ لأنه لا خير فيه.

(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ، لَا تَأْتُونَ بِخَيْرٍ مِمَّا أَعْلَمُ) لقد صدق أبو سعيد -رضي الله عنه- فيما قال، فوالله إن الذي يعلمه هو طريَق النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ففيه الهدى، والفلاح، فقد قال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨]، وقال: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} الآية [النور: ٥٤]، وقال: {افَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: ١٥٧].

فكيف يكون غيره خيرًا منه؟ بل الخير كلُّ الخير في اتّباع سنته -صلى الله عليه وسلم-، والشرّ كلُّ الشرّ في مخالفتها.

وفي رواية البخاريّ: "فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة". انتهى.

[تنبيه]: قوله: "لَا تَأْتُونَ بِخَيْرٍ مِمَّا أَعْلَمُ" صريحٌ في أن أبا سعيد هو الذي أنكر، وتقدّم لمسلم في "كتاب الإيمان" من طريق طارق بن شهاب، قال: أوّلُ من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل، فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد تُرِك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أمّا هذا فقد قضى ما عليه، وهذا ظاهر في أنه غير أبي سعيد، وكذا هو في رواية رجاء، عن أبي سعيد عند أحمد، وأبي داود، وابن ماجه، بلفظ: "أخرج مروان المنبر يوم العيد، وبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام إليه رجل … " الحديث.

قال في "الفتح": يَحْتَمِل أن يكون الرجل هوأبا مسعود الذي وقع في رواية عبد الرزاق، أنه كان معهما، ويَحْتَمِل أن تكون القصة تعددت، ويدلّ على ذلك المغايرةُ الواقعة بين روايتي عياض ورجاء، ففي رواية عياض أن المنبر بُنِي بالمصلَّى، وفي رواية رجاء أن مروان أخرج المنبر معه، فلعلّ مروان


(١) "مغني اللبيب" ١/ ٢٤٩.